بقلم / علي الديناري
قرأت باهتمام مقال الدكتور محمد الهامي (تحديات المستقبل أمام الحركة الاسلامية)والذي ركز فيه مشكورا على المستقبل وهذا ما تحتاجه الحركة الاسلامية حالياً
وقد خلص بعد عدة مقدمات الى نقطتين هامتين
القضية المركزية ، والأداة المركزية ثم حدد الخطوة الأولى القادمة فيقول:
(القضية الأساسية المركزية للحركة الإسلامية أن تؤمن أنها الطليعة الممثِلة للإسلام الذي يمثل نقيضا لكل نظام أرضي جاهلي ظالم يرفض “لا إله إلا الله”، وأنها تخوض معركتها العالمية لإنقاذ الناس أجمعين وإخراجهم من الظلمات إلى النور)
و(إن مواجهة الحركة الإسلامية للهيمنة الغربية المادية العلمانية التي تستعبد الناس إنما هي صورة من معركة النبي صلى الله عليه وسلم ضد عبادة الأصنام،”)
ثم يسأل : ماهي الأداة المركزية؟
ويجيب : إنها الجهاد
وأما الخطوة الأولى العملية القادمة
(عند هذه النقطة لا يتبقى إلا الكلام عن الاستفادة من التجارب السابقة للثورات والحركات الجهادية لكي تتمكن الحركة الإسلامية من إنتاج مقاومة ناضجة واعية راشدة تتجنب أخطاء ما فات)
ـ انتهت خلاصات المقال وأريد أن ابدأ من حيث النهاية وأؤيدها أولاً قهي ما يجب بالفعل وهو الأمر المهمل في الحركة الاسلامية والذي يحتاج الى اهتمام شديد وهو ضرورة الاستفادة من أخطاء التجارب السابقة للثورات والحركات الجهادية وأمامنا في ذلك مثالان: الأول تجربة الجماعة الاسلامية التي قابلتها الدوائر غير الاسلامية بالنظر ومحاولة الفهم والتحليل والتفسير بينما لم تجد من الدوائر الاسلامية خصوصا الجهادية نوعا من محاولة التعرف والدراسة والنقد العلمي المتزن . معظم ما لقيه تقييم الجماعة الاسلامية لتجربتها مجرد اتهامات جزافية بدون وعي ولا اقتراب منه لمعرفته
المثال الثاني تجربة الجهاد الأفغاني التي تكررت بعض أخطاؤها هي هي في العراق وسوريا مما يعني عدم تقييم جيد ولا استيعاب للدروس
المثال الثالث التجربة التركية ما يتلقاه بها الجميع تقريبا هو الانبهار والترحيب هكذا مجملا دون دراسة وتبيين أوجه الانفراد أعني عوامل النجاح التي اختصت بها التجربة وقد لاتتكرر لغيرها . لذا فما حدث في التجربة الأفغانية من نقلها دون دراسة الى مجتمعات أخرى ففشلت قد يتكرر في التجربة التركية
لذا لابد من الاشارة الى اشكالات في طريق الاستفادة من التجارب :
أ ـ الحركات الجهادية تخشى من تقييم تجربتها والاعتراف بخطئها
ب ـ أن من يراجع نفسه ويقيم تجربته يحتقر ويتهم دون حتى قراءة تقييمه
ج ـ تقليد التجارب كما هي دون دراسة لتحويرها أو تطويرها أو حتى رفض تكرارها
ثانيا لقد سعى الدكتور محمد الى تحديد ما سماه القضية المركزية ليخلص منها الى ما سماه الأداة المركزية وهي الجهاد في سبيل الله ويبدو أن هناك أدوات أخرى لكنها غير مركزية
ما أريد التأكيد عليه هو ضرورة عدم حصر الأداة كما سماها المقال في أداة واحدة وعدم تعميم الأداة على كل أنواع الواقع الذي تعيشه الحركة الاسلامية ولعل هذا من أبرز الدروس التي خرجت بها الجماعة الاسلامية من تجربتها
وأريد أن ابني على عبارة هامةفي المقال(إن مواجهة الحركة الإسلامية للهيمنة الغربية المادية العلمانية التي تستعبد الناس إنما هي صورة من معركة النبي صلى الله عليه وسلم ضد عبادة الأصنام،)
هذا جميل فماهي الأدوات أو البدائل أو السياسات أو الاستراتيجيات أوكما سماها الدكتور عصام دربالة رحمه الله “الخيارات النبوية الراشدة” التي تعامل بها النبي صلى الله عليه وسلم مع الواقع المليء بالأصنام؟
في مكة (مقر الأصنام ) كانت البدائل هي الدعوة والتحرك بها بين الناس سرا وجهرا
وكان عرض الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته على القبائل وعرضه نفسه كذلك من يؤيني وله الجنة من ينصرني وله الجنة ؟وكانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم للمشركين أن يخلوا بينه وبين الناس وكان طلبه للجوار صلى الله عليه سلم من المطعم بن عدي ودخوله في هذا الجوار وكانت الهجرة للحبشة ومن ثم كان اللجوء هناك في كنف حاكم غير مسلم غير أنه لايظلم عنده أحد وكان الصبر الجميل على الأذى والعفو والصفح وعدم رد العدوان وكان حوار النبي صلى الله عليه وسلم لقريش ورده على مساوماتها ومفاوضاتها وكان الثبات والتحمل وكانت التربية والتواصل بين القيادةولأفراد للتوجيه والتعليم
وفي المدينة لم يكن الجهاد وحده هو السياسة المتبعة فقد كان التوجه الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم من أول لحظة هو الدعوة الى توحيد الله وبناء المسجد كمقر للدعوة والتربية ونشر الوعي ودعوة المجتمع الى التعايش بين جميع مكونات المدينة ثم ابرام وثيقة المدينة والاتفاق على المشترك بين أهلها مسلمين ويهود وكفار وغيرهم والتعاون بين الجميع على أمور محددة أهمها الأمن والسعي لاستقرار المدينة حتى يتمكن الرسول صلى الله عليه وسلم من مخالطة الناس ومعايشتهم في أمان ولتسري الدعوة وليظهر للناس نموذج الاسلام بما يحمله من جديد في القيم والأخلاق يطمئن اليها الناس ويثقوا في الرسول صلى الله عليه وسلم كرسول مبلغ للوحي أمين عليه وكقائد للمدينة ويثقوا كذلك في المسلمين كأصحاب دين وحملة رسالة
ثم كان القتال لقريش والحصار والحكم بالقتل والاجلاء لليهود لنقضهم العهود وعدم قبولهم ـ عمليا ـ التعايش في سلام كما كان التحالف مع بعض القبائل وكان انقاذ قريش من المجاعة رغم كفرهم كما كانت المهادنة ولو على مال في غزوة الأحزاب وكان كذلك الصلح مع قريش ليأمن الناس بعضهم بعضا فيتبايعون ويسافرون وكان اقرار الرسل وحصانتهم
وهكذا خيارات كثيرة ومتنوعة تتنوع بتنوع الواقع
وهذا الذي قدمناه مجملا قد حدث وانتهجه الرسول وأصحابه الكرام في أكثر من واقغ:
في واقع مكة قبل الهجرة وهو معروف
وفي واقع المدينة قبل الهجرة
وفي واقع الحبشة في الهجرتين الأولى والثانية
وفي واقع مكة للذين يقوا فيها مسلمين بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبقية اصحابه
وفي واقع المدينة بعد الهجرة
وفي واقع القبائل التي كان يسلم منها بعضها فيأمرهم النبي بالهجرة اليه أو البقاء في قبائلهم
كل هذه أنواع من الواقع حدد الرسول صلى الله عليه وسلم لكل واقع ما يناسبه
فمن الضروري أن لانعمم التجارب فالواقع الذي يناسبه بديل قد لايناسبه غيره
من الضروري جدا أن لانحصر البدائل في بديل واحد
والواقع خير دليل فالثورة نجحت أو حققت نتائج متقدمة في تونس بينما فشلت في مصر وكبدت سورياخسائر باهظة وبينما كان المتابعون لأخبار تونس يتوقعون نتائج وسلوكا معينا من الشعب التونسي قياسا على بلادهم اذا بهم يفاجأون بنتائج مغايرة وبتفسير التونسيين بأن طبيعة الشعب التونسي مختلفة
كذلك تجربة الجهاد الأفغاني أرادت الحركة الاسلامية تعميمها ونقلها الى معظم بلاد العالم الاسلامي لكن قد فشل هذا التعميم لانفراد التجربة بعوامل نجاح غير موجودة في غيرها
كذلك التجربة التركية فهي ليست عامة يمكن تعميمها في كل قطر فلكل قطر خصوصياته
الجماعة الاسلامية في مصر كانت تعارض بشدة العمل السياسي خشية اعتبار الشباب أن هذ ا هو الطريق الوحيد فيترك خيار الجهاد ويلغيه من خياراته والآن هي تعارض جعل الجهاد هو الخيار الوحيد والبديل المناسب لكل واقع فالجهاد ماض وخيار قائم بضوابطه يناسب واقعاما يحدد ذلك العلماء المجتهدون كما أن العمل السياسي يناسب واقعا غيره وكذلك خيارات أخرى تناسب واقعا مناسبا لها لا غير كما أنه لايخفى احتمال اجتماع خيارات كثيرة في وقت واحد للتكامل لكننا كثيرا ما نتمسك بخيار واحد نريد أن نقتصر عليه كما نريد أن نعممه لكل واقع
إن الذي يحتاج الى تأكيد هو دراسة هذه التجارب وتقييمها والاستفادة منها كما خلص مقال الدكتور الهامي وعدم التسليم بفشل هذه الخيارات كبدائل وانما قد تكون هناك أسباب للفشل خاصة بكل تجربة وحدها وقد تكون هذه الأسباب من داخل التجربة أو من خارجها
أخيرا الساحة الاسلامية الآن تحتاج المزيد من النظر في الواقع الحالي وما يناسبه وفي المستقبل والخروج من احباطات الماضي القريب وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ….. وللحديث بقية
موضوعات ذات صلة
كيف تكون الدعوة هى الهدف والوسيلة للحركة الإسلامية؟
تحديات المستقبل أمام الحركة الإسلام