رغم محورية فكرة “الدولة” فى الحركة الإسلامية إلا أنها فى الحقيقة لا تعدو إلا أن تكون وسيلة لتحقيق الهدف الأساسى للدعوة إلى الله وهو”تعبيد الناس لربهم” كون “الدولة” تتيح الحرية للناس فى إختيار الإيمان و الكفر كيفما شاؤوا، ليس فقط بل وتأخذ بأيديهم ونواصيهم حتى ينالوا رضا الله.
وتنوعت تجارب الإسلاميين فى العصر الحديث فى محاولة الوصول إلى السلطة بدءاً من تجربة الانقلاب العسكرى او خوض غمار الإنتخابات او الثورة الشعبية مسلحة أو غير مسلحة وغيرها من التجارب التى لم تؤت أكلها حتى الآن.
فقد تكررت مثلا محاولات الانقلاب العسكرى فى الدول الإسلامية شرقا وغربأ ، ووجدنا أنه فحتى مع نجاحه إلا أنه فشل فى تحقيق الدولة المسلمة الحقة ففى كل الحالات طمع العسكر فى الكرسى حتى وإن كانوا إسلاميين وراق فى أعينهم البقاء عليه بل وعصفوا بمن أتى بهم إلى الكرسى خشية عليه منهم.
أما إستخدام الآليات الغربية كالإنتخابات فقد ثبت عدم نجاحتها وأن القوى الغربية لا تسمح بها إلا فى حالة ضمانها فرز قوى علمانية تابعة لها فكرياً، ترى فيها فقط الضمان لإستمرار تبعية بلدان المسلمين لها وفى النهاية “إحتلالاً بدون تكلفة” لحلب ثروات الشعوب المسلمة والسيطرة عليها دون مقاومة.
ولوحدث ووصل فصيل إلى الحكم فسرعان ما توضع العراقيل فى وجهه ومحاولة إفشاله وفى النهاية يرتب إنقلاب ضده وهو ما بدا واضحا فى الثورات المضادة التى أعقبت ثورات الربيع العربى من تدخل قوى دولية وإقليمية لمنع الحركة الإسلامية من الإستمرار فى الحكم أو حتى المشاركة فيه بصفة فاعلة.
وحتى الخيارات الجهادية والتى منها الثورة المسلحة على غرار الثورة السورية فيحكم عليها أن تظل رهينة للقوى الإقليمية والدولية حتى إذا إستنفد الغرض منها تم الانقلاب عليها بتصفيتها وتصفية رموزها وقطع الدعم العسكرى والمالى عنها.
ويظل السؤال المحورى الذى قلته فى البداية هو كيفية الوصول ألى تحقيق هدف “الدولة الإسلامية” والذى جعلته ليس هدفا لذاته وإنما لغيره، فى ظل هيمنة دولية وإقليمية تمنع من ذلك وفى ظل حكام جعلت من شعوبنا كـ” الحمير فى ساقية” من أجل لقمة العيش اليومية بما لا يتيح لها التفكير من الخروج من هذه الدائرة مع البطش بمن يفكر فى الخروج أو إخراج الناس من هذه الدائرة المرسومة بعناية.
فضلا عن خداع الشعوب بدعاية أخرى كاذبة لا يعرف أو يرى الحق أوتجعله يرى الباطل حقا والحق باطلا .
وحلا لهذه المتاهة التى تصيب الكثيرون منا باليأس والإحباط ، نتبين أن هداية الخلق هى الهدف وهى الوسيلة أيضا فالوصول إلى قلوب الناس وهدايتهم هو الذى سيجعلهم راغبين فى البذل والعطاء والتضحية من أجل هذا الدين ومن الدعوة أيضا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قدر الإستطاعة وحث للناس على سلوك طريق الطاعة وأبعادهم ولو بالقوة عن طريق المعصية، ثم من الدعوة أخيرا “الجهاد فى سبيل الله” كذروة لسنام هذا الدين أو إعداد النفس للجهاد كأساس للإستعداد للصراع الصفرى بين الحق والباطل، وهذا هو ما تحتاجه الحركة الإسلامية عموما لتحقيق “تعبيد الناس لربهم” ولإقامة دولة الخلافة بإذن الله.
لا أعنى بذلك أن دعوتنا توقفنا عن تناول دراسة وسائل التغيير السابقة كلها لتحقيق الدولة الإسلامية المنشودة بل دعوتنا نتعمق فى تناولها ونحاول عزل ثوابتها عن متغيراتها وندرس أسباب فشلها وإمكانيات النجاح فيها.
ولنتذكر أن رسول صلى الله عليه وسلم لم يسلك سبيلا واحدا لتحقيق الدولة وتجربة الهجرة إلى الحبشة كأحدى هذه التجارب فهى وإن نجحت فى كف الأذى عنهم إلا أنها لم تستطع أن تنشئ دولة وكان نجاح الدعوة فى المدينة وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه إليها هو الذى أنجح إقامة الدولة فيها.
وأعنى هنا أن رسول صلى الله عليه وسلم لم يطرح نموذجا واجب التطبيق يمكننا القطع بوجوب السير عليه ولكننا أمام نماذج يمكننا أن نطورها ونتكيف مع متغيراتها وصولا لما نصبو إليه.
ولكن ما هى الدعوة التى نقصد من أن تكون هدفا ووسيلة، لأنها بالقطع ليست دعوة لتعليم الناس فقه الطهارة والصلاة وكل العبادات فحسب، أودعوة لطرح قضايا عقائدية غير مطروحة أصلا، فهى وأن تضمنت تعليم الناس لدينهم وعقيدتهم يجب أن تتضمن أيضا حياتهم ومشكلاتهم، دعوة تدرك المعنى الحقيقي لـ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163) “الأنعام”.
يجب أن تكون دعوتنا دعوة تفاعلية هى نتاج لمشاكل مجتمعنا الذى نعيش فيه فعلى الاسلاميون أن يتعايشوا كما فعل نبى الله شعيب مع قضية مجتمعه حين قال:” أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ” حيث ربط بين قضية الإيمان بالله وقضية تطفيف الكيل والميزان.
وهكذا كان أنبياء الله عاشوا قضايا مجتمعاتهم وطرحوا حلولا من منطلق إيمانهم لهذه المشكلات وهذا هو المقصود بالدعوة المرجوة.
دعوة تعيش قضايا الشعوب وتوضح موقف الشرع منها مما يحول شرائع الإسلام من تراث يقرأ إلى إسلام فاعل على الأرض له تأثيره وإنعكاساته على كل مناحى الحياة.
موضوعات ذات صلة
تحديات المستقبل أمام الحركة الإسلام
كيف تكون الدعوة هى الهدف والوسيلة للحركة الإسلامية؟

التعليقات