لا إله إلا الله
محمد رسول الله الجماعة الاسلامية
الرسالة الليمانية
في الموالاة
أعَدَّه/طلعت فؤاد قاسم
رحمه الله
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله صادقٌ في ميعاده, وارتفع عن ظلم عباده, وقام بالقسط في خلقه, عدل فيهم حكمه, أحمده شكرًا لإنعامه, وأستعينه على وظائف حقوقه.
والصلاة والسلام على نبيِّ المرحمة ونبيِّ الملحمة، البشير النذير، الهادي إلى صراطٍ مستقيم, بلَّغ الرسالة, وأدَّى الأمانة, ونصح الأمة, وتركنا على المحاجَّة البيضاء, إذ قال(أوثقُ عُرَىَ الإيمان الموالاة في اللهِ والمعاداة في الله)
وبعد ..
تُثار مسألة الموالاة بفروعها وصورها العديدة خاصة أحكام من أتى فعلًا أو أتى قولًا من أفعال وأقوال الموالاة الممنوعة, وهل يُكفَّر صاحبها أم لا؟ وهل هناك موالاة بالظاهر وأخرى بالباطن؟ وهل هذا الذي يعمل عند حكومات كافرة يُعَدُّ ممن يوالي غير المؤمنين فيكفر أم لا؟ وهل ذلك الذي يقيم بدار الكفر والشرك وهو يُكَثِّر سواد الكفار والمشركين هل هو مُوَالي لهم فيكون مثلهم أم لا؟ إلى غير هذه التساؤلات المُلِحَّة وما يتفرع منها من أحكامٍ وتفريعات.
وقد تصدى لمثل هذه المسائل وخاض فيها كثيرون, بعضهم بأهلية وأكثرهم بلا أهلية معتبرة, ففرط أقوام وأفرط أخرون, وإنا لله وإنا إليه راجعون, وبين الإفراط والتفريط, والغلو والتقصير, صارت هذه المسائل شبهات تردَّى فيها من تردَّى في خندق التكفير, وهَوى فيها مَنْ هَوىَ في مستنقع التمييع, والإرجاء والجهل.
القسم الأول: الذي أفرط وغالى وقع في مصيدة التكفير الهَرمية والتي وصفها: أنه إذا وجد حاكم كافر فنائبه يواليه قطعًا، إذًا فهو كافر، ورئيس وزرائه يواليه قطعًا إذًا فهم كافرون, والجيش والشرطة يحميانه يعني يوالونه إذًا فهم كافرون, ثم وكلاء الوزارات يوالون الوزراء الذين يوالون رئيس الوزراء الذي يوالي الحاكم الكافر إذًا فهم كافرون, وأيضا رؤساء مجالس إدارات مؤسسات الدولة يوالون وكلاء الوزارات الذي يوالون الوزراء الذين يوالون الحاكم إذًا فهم كافرون، وبالمثل أعضاء مجالس الإدارات يوالون رؤساء مجالس الإدارات الذين… إلى آخر الترتيب، إذًا فهم كافرون.
وعلى هذا النحو العاملون في مؤسسات الدولة يوالون أعضاء مجالس إدارتهم الذين يوالون رؤساء مجالس هذه الإدارات الذين يوالون.. وهلم جرَّاً إلى آخر هذا الترتيب الهرمي الكئود إذًا فهم كافرون, وإذا سألتهم هل يكفرون على التعيين أم على العموم؟ قالوا: نحن لا نحكم على الكراسي ولا على الخوذات بل نحكم على الذوات إذًا كافرون على التعيين, وهكذا ما تركوا ذا كبد في الدولة إلا وجعلوا له نصيبًا من هذه الأحكام الخطيرة, فضلُّوا وأضلُّوا, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
القسم الثاني: والذي فرَّط وقصَّر: ميَّع هذه الأمور, وترك الحبل على الغارب وقال: لا جُناح ولا تثريب, فحادوا عن الصراط, وجانبهم الصواب, ولله الأمر من قبل ومن بعدـ
وبين هؤلاء وهؤلاء تحيَّر كثيرون: منهم من اعتزل ضعفًا أو طلبًا للراحة, وقالوا: هى فتن كقطع الليل المظلم, فتنكَّبوا الصراط المستقيم, ومنهم من تشاكس في الأمر بلا أهلية ولا روية فوقفوا على شفا جُرُفٍ هارٍ. ومنهم من رحم ربك قالوا: اللهُمَّ ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل, فاطرَ السمواتِ والأرض عالمَ الغيبِ والشهادة أنت تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, إهدِنا لما اختُلف فيه من الحقِّ بإذنك إنَّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم.
إزاء كل هذا كان لزامًا على الجماعة الإسلامية أن تنهض لتبيان الحق والصواب, وتفصل وتحسم هذه الأمور, وتردَّ وتُلخِص بعض الشبهات التي أثيرت حول هذه القضية, إرضاءً لله تعالى, وقيامًا بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, وإحقاقًا للحق, وإبطالًا للباطل, فأعدَّت الجماعة الإسلامية بتوفيق الله ومِنَّته هذه الرسالة لتكون سلاحًا لمن يقرؤها متجردًا من كل هوى إلا طلب الهدى والرشاد..
الرسالة الليمانية
وأما اسمها كذلك, فلأنها خرجت من ليمان طرة, حيث يَلقىَ الناس عامةً والمسلمين خاصة صنوفًا وألوانًا من الظلم والتعذيب[1] الأمر الذي يجعل من يتعرض لمثل ذلك يجنح بعيدًا عند الحكم على من يعذِّبون هؤلاء. لذا فلا عجب أن رأينا كثيرا من ذئاب التكفير قد خرجت من أحراش أماكن كهذه, وحيث يوجد الضد يوجد النقيض. بيد أنه -بفضل الله ورحمته– خرجت هذه الرسالة وسطية في أحكامها, لم تجنح –والله يعصم من يشاء– إلى الغلو والإفراط, كما لم تَتَدنَ وتتسفل إلى التفريط والتمييع, فخرجت برحمة الله وسطًا حيث اتخذ أصحابها – ولا نزكي على الله أحدًا- قول ربهم تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا, إعدلوا هو أقرب للتقوى) اتخذوا هذا النص هاديًا وسلمًا للوصول إلى المطلوب.. وهو هدي الرسول صلى الله علية وسلم.
منهج البحث
كما يسر الله وأنعم فقد:
ـ حددت الرسالة القواعد الأساسية الضابطة والتي يجب أن تتبع عند الحكم على كل من يأتي فعلًا أو يقول قولًا فيه نوع موالاة ممنوعة,
ـ ثم استدلت على صحة هذه القواعد من الكتاب والسنة, وأقوال العلماء الثقات, وذكرت وجه الدلالة من هذه النصوص والنقول,
ـ ثم نَزَّلت ذلك على الواقع بشيءٍ من الاختصار المُناسب, وكل ذلك بعد العرض والإقرار ممن له أهلية ذلك, وهو في هذه الرسالة فضيلة الشيخ الدكتور “عمر عبدالرحمن”.
هذا وقد جعلناها في مقدمة، ومقصد يشمل خمسة فصول, وخاتمة.
والله تعالى نسأل أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم, وأن يجعله في ميزان حسناتنا, وأن يرشدنا سبيل الحق وأن يهدينا سواء الصراط, كما نسأله العون على ما نحاوله وننويه, ونرغب إليه أن يعصمنا من الزلل فيما نقوله وندَّعيه إنه ولي الطّول ومُسديه, لا رب سواه ولا معبود حاشاه.
القاهرة – ليمان طرة
كُتِب لخمس ليالٍ خلت من جمادى الآخرة
سنة سبع وأربعمائة وألف . الموافق الأربعاء 4 فبراير 1987م
(يتبع )