{ في ظلال القرآن ـسيد قطب}
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 178 ) ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ( 179 ) كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ( 180 ) فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ( 181 ) فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ( 182 ) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( 183 ) أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ( 184 ) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ( 185 ) وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ( 186 ) أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن .وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ( 187 ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( 188 )
يتضمن هذا الدرس جانبا من التنظيمات الاجتماعية للمجتمع المسلم الذي كان ينشأ في المدينة نشأته الأولى، كما يتضمن جانبا من العبادات المفروضة.. هذه وتلك مجموعة متجاورة في قطاع واحد من قطاعات السورة.
وهذه وتلك مشدودة برباط واحد إلى تقوى الله وخشيته، حيث يتكرر ذكر التقوى في التعقيب على التنظيمات الاجتماعية والتكاليف التعبدية سواء بسواء.. وحيث تجيء كلها عقب آية البر التي استوعبت قواعد التصور الإيماني وقواعد السلوك العملي في نهاية الدرس السابق.
في هذا الدرس حديث عن القصاص في القتلى وتشريعاته. وفيه حديث عن الوصية عند الموت.. ثم حديث عن فريضة الصوم وشعيرة الدعاء وشعيرة الاعتكاف.. وفي النهاية حديث عن التقاضي في الأموال.
ـ وفي التعقيب على القصاص ترد إشارة إلى التقوى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ..
ـ وفي التعقيب على الوصية ترد الإشارة إلى التقوى كذلك: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت – إن ترك خيرا – الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ..
ـ وفي التعقيب على الصيام ترد الإشارة إلى التقوى أيضا: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ..
ـ ثم ترد نفس الإشارة بعد الحديث عن الاعتكاف في نهاية الحديث عن أحكام الصوم: تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ..
ـ ولا تبعد التعقيبات القليلة الباقية في الدرس عن معنى التقوى، واستجاشة الحساسية والشعور بالله في القلوب. فتجيء هذه التعقيبات: ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون .. فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون .. إن الله سميع عليم .. إن الله غفور رحيم ..
وهو اطراد يوجه النظر إلى حقيقة هذا الدين.. إنه وحدة لا تتجزأ.. تنظيماته الاجتماعية، وقواعده التشريعية وشعائره التعبدية.. كلها منبثقة من العقيدة فيه; وكلها نابعة من التصور الكلي الذي تنشئه هذه العقيدة وكلها مشدودة برباط واحد إلى الله; وكلها تنتهي إلى غاية واحدة هي العبادة: عبادة الله الواحد. الله الذي خلق، ورزق، واستخلف الناس في هذا الملك، خلافة مشروطة بشرط: أن يؤمنوا به وحده وأن يتوجهوا بالعبادة إليه وحده وأن يستمدوا تصورهم ونظمهم وشرائعهم منه وحده.
وهذا الدرس بمجموعة الموضوعات التي يحتويها، والتعقيبات التي يتضمنها، نموذج واضح لهذا الترابط المطلق في هذا الدين