بقلم فضيلة الشيخ / أسامة حافظ
في منتصفات العصر الاموي بدأت حركة الترجمة عن الحضارة اليونانية ، وكان مما ترجموه عنها علم المنطق الأرسطي،
ولأنه العلم الذي ينظم التفكير ويضع القواعد التي تنظم التفكير الانساني السديد – هكذا عرفوه- فقد شاع هذا العلم بين المسلمين وانتشر في كتاباتهم و اجتهاداتهم وانتشرت تطبيقاته في شتي العلوم الشرعية حتي أن الامام الغزالي كتب لكتابه المبدع في أصول الفقه – المُستصفي- مقدمة منطقية في الحد والبرهان
وذكر في مطلعها أن هذه المقدمة ليست من علم الاصول وانما هي مقدمة للعلوم كلها وأن “من لايحيط بها لا ثقة في علومه أصلا “
وكان علم الفقه من العلوم التي شاع فيها علم المنطق في حدوده-تعريفاته- وتقاسيمه وبراهينه وأفاد الفقهاء منه ولكنه أفسد في الفقه أكثر مما أصلح ـــ ، وكان الولع بوضع حد ضابط لكل شئ في الفقه حتي البديهات والمسلمات والاشياء الفطرية هو أحد ثمرات علم المنطق المفسدة ،
ومن ثمرات هذه الحدود تعريفهم للمُفطرات في رمضان ، فقد عرَّفوا الطعام بأنه: دخولُ جُرْمٍ إلي الجوف من مَنفَذٍ طبيعي مفتوح عليه
ربما حذفوا المقطع الاخير – المنفذ الطبيعي المفتوح علي الجوف اكتفاءا بدخول الجرم الي الجوف – وبتعريفهم هذا صار الجوف في حاجة لتعريف فعرفه بعضهم بأنه البطن وعرفه آخرون بأنه الجهاز الهضمي كله وعرفه آخرون بأنه كل ماتجوف في جسم الانسان .. وهكذا دخل في المفطرات اللبوس والحقنة الشرجية والقطرة بل تحدث بعضهم أن من ضُرب بسكين فنفذ الي بطنه أفطر ومن داوي جائفة ” وهو الجرح الذي ينفذ الي الجوف ” فقد أفطر وتشعب شرحهم لمعني ” الطعام والشراب المنصوص عليها ليشمل كل هذه العجائب وسيطرت تلك التعريفات المنطقية علي عقول بعض علمائنا حتي أن مؤتمراً فقهياً يضم علماء من شتي بقاع العالم عجزعن حسم القول في بخاخة الربو وقطرة الاذن وغيرها وأجل القول فيها لمزيد من الدراسة
مع أن الطعام معروف بالفطرة ولايحتاج الي هذه التعقيدات التي صدَّرتها لنا هذه الحدود ولعلهم لو عادوا الي بساطة تلك الفطرة لوجدوا الامر ايسر من ذلك ورحم الله شيخ الاسلام ابن تيمية اذ كان يقول في مثل هذ: إنه ليس من الطعام ولافي معني الطعام دون ان يلجأ لتلك الحدود المنطقية المعقدة
وقد ذهب كثير من العلماء الي رفض علم المنطق كعلم بالجملة وكتبوا في ذلك كتبا منها كتابان لابن تيمية “نقض المنطق” و”الرد علي المنطقيين ” وذهب الي أن مافي المنطق من فائدة يعرفه الناس بفطرتهم وماعدا ذلك فلا حاجة فيه وضرره أكثر من نفعه
وبعد.. فلاينكر ان الضوابط التي وضعها علم المنطق أفادت العلماء في كثير من الامور ولكن الاستغراق المبالغ فيه بحيث تكون قيدا علي نظر الفقهاء له مفاسده التي تستدعي التحرر منه
حد المناطقة وجنايته علي فقه الصيام

التعليقات