(1)
“بسم الله الرحمن الرحيم”
{يؤتي الحكمة من يشاء}(1) صدق الله العظيم
وهكذا وجد الإسلام .. هكذا وجد متمثلا في قاعدة نظرية مجملة – ولكنها شاملة – يقوم عليها في نفس اللحظة تجمع عضوي حركي , مستقل ,منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجيبة لهذا المجتمع .. ولم يوجد قط في صورة “نظرية” مجردة عن هذا الوجود الفعلي ….
وهكذا يمكن أن يعود الإسلام مرة أخري , ولا سبيل إلي إعادة إنشاءه في ظل المجتمع الجاهلي , في أي زمان وفي أي مكان , بغير الفقه الضروري ,لطبيعة نشأته الحركية …. سيد قطب / المعالم (2)
(2)
** تقديم **
الحمد لله الذي يأبي إلا أن يعلي كلماته , ويعز دينه , وينصر جنده , ويرفع حزبه , ويتم نوره , ويظهره علي الدين كله , ولو كره المجرمون .
وصلي اللهم وسلم علي سيدنا محمد , رافع لواء الحق , وإمام جند الهدى , وعلي آله وصحبه , ومن والاه وناصره , واتبع النور الذي جاء به .
أما بعد ..
فقد طلب ألي نفر من أخواننا , ممن عهدنا فيهم الإخلاص للدين , والغيرة علي محارمه , أن نضع بحثا يتعرض لمسائل العمل الجماعي والتنظيمي , وموضوع الإمرة الخاصة , وشرعيتها , ومدي وجوب العمل لنصرة الدين , وإعلاء الشريعة , وإحياء الخلافة , وبعث الإسلام كواقع ذي سلطان ..
وذلك المفهوم الشرعي للاعتزال , ومعني أحاديث الاعتزال , والأمر باعتزال الفتن واجتنابها , وخلاف هذه الأحاديث للتكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وجهاد الكافرين , ورفع السيف لإعلاء دين الله وإظهاره .
وكذلك النصوص التي تأمر بكف اليد أئمة الجور , والصبر علي ظلمهم , ومخالفتها للنصوص الموجبة لروعهم , وتحريم طاعتهم , ونحو ذلك من أمور .
وهذه المسائل غاية في الخطورة , وبالغة في الأهمية , خاصة في هذه الأوقات , عن مسيرة الحركة الإسلامية , وبعد أن خلط في فهمها وضبطها , من كان ينبغي فيهم ألا يخلطوا في مثلها .
وكذا .. فقد ذاد من أهميتها خوض جموع كثيرة من الشباب الثائر لدينه , ومحارم الله وكلماته , التي يريد المجرمون إسفافها , في هذه المسائل , واضطرابهم الشديد في ضبطها , ومعرفة منازلها الصحيحة , مما ولد تفرقات كثيرة وتخربات عديدة , قامت أساسا علي الخلاف حول هذه المسائل .
ولقد كنت علي أدراج هذه المسائل , ضمن أحد فصول كتابنا الجامع لأحكام الخلافة وقضاياها , بحيث يكون في محله وسياقه المنتظم , وبحيث نوفيه حقه ونزيل الأشكال عنه .
(3)
ولكن الحاجة الملحة و من قبل أخواننا لهذا البحث , جعلت من الضروري أن أضع هذه الرسالة العاجلة والمختصرة , التي أجيب فيها عن تلك المسائل , بما يوفق الرحمن إليه بلطفه ورحمته .
علي وعد بتفصيل هذه المسائل , وزيادة تبيانها , في كتابنا المذكور , يسر الله تعالي إنجازه , وأفاد به عباده .
وسنعرض في هذا البحث , لبيان وجه الحق في هذه المسائل , ثم نعرض بعد ذلك لمجموع الشبه والأغاليط الدائر حولها .
” والله الهادي إلي سواء السبيل “
- البقرة / 269
- معالم في الطريق /57