القائمة إغلاق

مقتطفات من كتاب النجوم السوداء.. (من 5 إلى 8) – بقلم: الأستاذ إسماعيل أحمد

بقلم: الأستاذ إسماعيل أحمد

الأستاذ إسماعيل أحمد

#النجوم_السوداء

في كتابه “النجوم السوداء” (تحت الطبع) يدون الشيخ إسماعيل أحمد قبسا من صفحات التضحية والعطاء لزوجات أبناء التيار الإسلامي وخاصة في سنوات الاعتقال الطويلة، ولا يبالغ أحد عندما يقول أن النساء هن أكثر من تحملن عناء سنوات الاعتقال والمطاردة، وعلى صفحته بمنصة الفيسبوك، ينشر الشيخ إسماعيل أحمد مقتطفات من كتابه المنتظر، وموعدنا اليوم مع الحلقات من 5 إلى 8:

(5)

 من الفصل الثالث “أول البلاء”

بدأنا نرى الاعتقال المتكرر فالبعض منا كان لا يكاد يخرج حتى يعاد اعتقاله ومنا من كان يكرر له الاعتقال آلياً خصوصا مناطق الالتهاب المزمن، امبابة وعين شمس والمنيا والأقصر ثم الإسكندرية وكانت أحوال السجون متقلبة بين شد وارتخاء وكانت المدد القصيرة لا تضطر الأهالي للزيارات في السجون – إلا ممن يقيمون قريبا من القاهرة فكانوا دائمي الزيارات.

وكانت الزيارات وقتها حافلة بالخيرات، وكانت الاعتقالات مدعاة عزيمة وزيادة نشاط، بل هي أشبه بمعسكر إسلامي تجدد فيه التزامك وتنشط ذاكرة الحفظ في القرآن والعلوم الشرعية، ولذا فإن هذه الاعتقالات كلها لم تمس أسس الأسرة إلا نادرا ولا أخافت نجومنا السوداء لاسيما أن دعاوى الفخار من تلك الاعتقالات كانت أعظم من تبعاتها التي لم تكن قد بدت بقسوتها بعد، كما أن معظم هؤلاء الشباب لم يكن متزوجاً أصلاً .

ومنذ 1991 زادت سياسة الاعتقال المتكرر في عين شمس وأخواتها وأصبح في سجون استقبال طرة وأبي زعبل والمرج وغيرها إخوة لنا مقيمون إقامة شبه دائمة كأنهم طليعة استكشافية ترتب لمقام طويل لعشرات الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية..

(6)

 من الفصل الرابع مرارة الأسر: “… وكانت الحياة في استقبال طرة أكثر جدية ونشاطا، فتبدأ برامج اليوم بطابور رياضي ثم حلقات تحفيظ القرآن ثم تبدأ في الثانية ظهراً دروس شرعية ومدرسة تعليمية حيث كان نصف الدور الثاني تقريبا لطلاب الثانوي والجامعة، ففي تلك الفترة كان حماس الأخوات ،كما كان حماسنا، يبلغ عنان السماء، حيث كانت الرؤية ميسرة والزيارات طويلة وأسبوعية أو نصف شهرية، فلما وقعت أحداث تصادمية في سجن أبي زعبل الصناعي والذي كان وقتها من أفضل السجون كما أسلفنا تغير الحال وانتهت تلك الأحداث بإفراغه من المعتقلين ثم إعادة تسكينه مع إجراءات عقابية تشمل الضرب الجماعي والتجريد من الثياب ومصادرة كل ما له قيمة ومنع الزيارات لفترة في سجن أبي زعبل..، وبعدها بدأت سياسة التضييق على الزيارات تعمم في السجون وتضاءلت فرص التلاقي كثيرا لكنها ظلت متقطعة في سجن استقبال طرة.

ثم في الثلث الأخير من عام 1994 حاول أحد الإخوة من الجهاد الهروب من سجن استقبال طرة مستخدما نقاب أحضرته له زوجته لكنه ضبط في إحدى محطات المترو وأغلقت الزيارات تماما في سجن الاستقبال.

أما السجون الجديدة فقد أسست على الظلم من أول يوم فلم تعرف لحقوق الإنسان معنى ولم تنفذ زيارات البطانية أصلاً.. وإنما بدأت بزيارات السلك، كما كنا نسميها – وهي أن يكون بين المعتقل وأهله سورين من السلك يقف بينهما الحراس ولا تتجاوز مدتها الخمس دقائق، ومن هنا بدأت مأساة الأخوات وأزواجهن.

(7)

 من الفصل الخامس “وبضدها تتمايز الأخوات”

وكانت ترجمة هذا الوضع الجديد أن الزوجات اللاتي بدأن المحنة من أولها وجدن تغيرا فارقا في التواصل مع الأزواج فبعد الزيارات الآهلة بالحديث والمجالسة لساعات كأنهما في بيتهما صارت الزيارات ممنوعة تماماً لمدد طويلة ثم فتحت زيارات السلك تكاد لا تراه ولا تسمع له صوتا وأما الزوجات اللاتي اعتقل أزواجهن في أواسط التسعينات فلم يجدن عند الزيارة سوى زيارات السلك، فلم يعرفن ما كان قبل من سعة وهذه الزيارات كانت تبدأ بعذابات كثيرة ما كان لمثلهن أن تجربها لولا هذا البلاء فتبدأ من أبعد نقطة عند مكتب النائب العام لاستخراج تصريح للزيارة وعند وصول التصريح وغالبا ما يصل في الوقت الضائع فيبادرن للتجهيز للسفر من جمع العدد اللازم والاتفاق مع سائق الميكروباص ثم السفر في ظلمة الليل قبل الفجر للوصول في المواعيد المناسبة لحضور مبكر أمام السجون في الثامنة صباحاً وإجراءات تفتيش الزوار والزيارات تفتيشا مهينا وانتظار لحظة الدخول لساعات ثم تنتهي الزيارة في ثلاث دقائق فقط فلا تكاد تسمعه أو تراه حتى تنطلق صافرة تنهي كل شيء وبالطبع لم تستطع كثيرات الاستمرار في هذا البلاء، فمنهن من تباعدت زياراتها حتى انقطعت ثم أرسلت إنذارا وأقامت دعوى لطلب الطلاق ولم يكنّ قليلات، ومنهن من لاقت ضغوطا مزدوجة من أهلها في البيوت ومن أمن الدولة في العمل أو في شئونها الخاصة التي من أبسطها ارتداء النقاب وصون ود الزوج الأسير حتى صار معتادا ومألوفا أن يوقع أحدنا صحيفة دعوى التطليق وتشاطره زنزانته الحزن والقلق.

(8)

من الفصل السادس ” جزى الله الشدائد كل خيرٍ”

…. ولحسن الحظ أن معظم الإخوة لم تكن لهم زوجات، ومعظم المتزوجين منهم كانوا من أصحاب الدخول الثابتة سواء بوظائف أو أعمال خاصة..

وكثير منهم كان له إخوة وعائلة تؤدي عنه حقوق أسرته كالنفقات وقضاء المصالح.. أو كانت عائلتها هي ذات يسار فيقوم الوالد أو الإخوة بما يجب، وكان بعض الإخوة الذين تأخر اعتقالهم أو الذين كانوا خارج البلاد يقومون بدورٍ رائع في جمع المساعدات وإرسالها للأخوات أو آبائهن وكان بعض الأخوات موظفات.. وكان التعاطف عاليا في كثير من القرى والمدن حتى من الجيران والأصدقاء العاديين، ولكن هناك من لم يكن له سوى كدّه وكسبه بعرق الجبين.. ولم يكن لهم وظيفة ومرتب، فكيف كانت أسرته، وكيف عاشت زوجته وأولاده سنين بلا عائل؟ بلا مصدر دخل؟ أحسب أن نسبة طالبات الطلاق ستكون الأكثر بين الأخوات!!

لكنني أعلم أن كثيرات منهن كن يعملن ببيع السواكات والملابس والمصاحف وأي شيء يحقق الحد الأدنى من العيش، وأذكر أن أحد الدعاة السلفيين “أسامة القوصي ” كان يحرض الناس على عدم الشراء منهن، وكان يحرض على طردهن من أمام المسجد.. ومنهن من اضطرت لبيع أثاث بيتها، وكان الحال في سنوات السجن الأولى ميسورا بعض الشيء بسبب قدرة المعتقلين على التكسب داخل السجن مع وجود نظام تكافلي في حين كان لقاء الزيارة يخفف لأواء العيش.. ثم اشتد الأمر فطورد من كانوا بالخارج آمنين وقبض على بعضهم وصارت لهم قضية شهيرة، وضيقت السجون على من فيها وغربوا في أقاصي الأرض بعيدا عن العمران فكيف استمر العيش بهؤلاء الصابرات الصامدات إذ لم يبق لهن إلا عون القدير جبار السماوات والأرض وكفى به نصيرا..

التعليقات

موضوعات ذات صلة