بقلم: الأستاذ عصمت الصاوي
قاد الدكتور “”عصام دربالة”” رئاسة شورى الجماعة الإسلامية بعد انتخابات قاعدية شملت محافظات الجمهورية ومراكزها وقراها وأفرزت جمعية عمومية منتخبة من القاع إلى القمة والتي انتخبت بدورها الدكتور “عصام دربالة” رئيساً لمجلس شورى الجماعة, ومنذ هذا اليوم بدا أن الدكتور “عصام دربالة” يقود تحولات جذرية في مسار الجماعة الإسلامية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وعلى رأس هذه التحولات اعتماد النظام المؤسسي نظاماً لإدارة الجماعة فأسس دوائر لاتخاذ القرار بدءاً من الجمعية العمومية وانتهاءً بمجالس شورى المحافظات كما استحدث دوائر لصناعة القرار وتنضيجه, وحددت الجماعة مسئوليات كل دائرة من هذه الدوائر وعلاقتها بالدوائر الأخرى في نظام إداري واضح تضمن فيه القواعد وصول أصواتها وأرائها إلى رأس التنظيم متمثلاً في مجلس الشورى العام الذي التزم حرفياً بالسياسات العامة والاستراتيجيات الكلية التي تضعها الجمعية العمومية, وقد تمسك الدكتور “عصام دربالة” بهذا السلم التنظيمي تمسكاً حديدياً رغم مخالفة هذه الدوائر لرأيه على المستوى الشخصي ورأى مجلس الشورى الذي يقوده في كثير من الأحيان، وقد صنع ذلك لأنه كان في الحقيقة يرسخ مبدأ هاماً في النظام المؤسسي ؛ فالجماعة تدار كمؤسسة لها أهداف كلية واستراتيجيات عليا لا يصح أن تتغير بتغير القائد أو قناعاته الذاتية وإنما ينسج الرئيس على منوال من سبقه وفق نظام واضح ومسار يرتضيه أبناء التنظيم جيلاً بعد جيل.. ومثال ذلك أن قناعاته الشخصية وقيادات مجلس الشورى كانت تتجه إلي تأييد الدكتور مرسي في الانتخابات الرئاسية بناء على ترجيحات بدت لهم في هذا التوقيت إلا أنهم نزلوا نزولاً واضحاً على رأى الجمعية العمومية بتأييد الدكتور أبو الفتوح, ثم إصرار الدكتور “عصام دربالة” على اشراك الجمعية العمومية في توجيه الجماعة ورسم سياساتها تجاه النظام القائم في مصر بعد ٣٠ يونيو بل واعتبار قرار الجمعية العمومية هو القرار الملزم الذي يجب احترامه وتقديره وإمضائه حتى عقد سبع جمعيات عمومية في عام واحد وكان يمهد لعقد الجمعية العمومية الثامنة قبل القبض عليه بأيام قلائل. كما أسس الدكتور”عصام دربالة” وقيادات الجماعة وأبنائها “حزب البناء والتنمية” ليكون قناة طبيعية للعمل السياسي وقدم من خلال الحزب نموذجا حضاريا للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وقدم مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات والمصالح الحزبية الضيقة وفق رؤية مستقبلية ونظرة استشرافية متميزة فتنازل عن مقاعدة في الجمعية التأسيسية للدستور وعرض التنازل عن مقاعده في مجلس الشورى للأقباط والمرأة والشباب وكان يري ضرورة تشارك المصريين في إدارة الدولة ومؤسساتها. ومن الملامح التي يمكن رصدها في شخص الدكتور “عصام دربالة” كقائد ملهم, أنه كان يعتمد أسلوب الإقناع كوسيلة لاتخاذ القرار ويهتم بروح الفريق ومعنوياته ويحافظ على علاقات وطيدة مع من يتعامل معهم فلم يستخدم سلطته كرئيس لمجلس شورى الجماعة لفرض رأيه أو تمرير وجهة نظره, فقد كان يجلس الساعات الطوال يشرح ويفند ويعرض ويسمع ويجيب دون كلل أو ملل, يسمع للصغير والكبير ويهتم بالمشاركات والمداخلات فلم يسفه رأياً ولم يهمل متكلماً, فقد كان مستمعاً رائعا وكان يقول دوماً أستمع لآراء الناس فالاستماع إلى عقول الآخريين أفضل من الاستماع لعقلك فقط, وكان يقول كنت في مجلس الشورى القديم برئاسة الشيخ كرم زُهدي أتعمد الجلوس عن يساره دائماً حتى أكون أخر من يتحدث ويقول كنت أستمتع بالاستماع إلى عقول المشايخ وحديثهم. كما كان كثير الإبداع يفكر خارج الصندوق وفق مصلحة الإسلام ورفعة الوطن فقال في التمهيد لمليونية “لا للعنف لا للضعف لا للفقر” علينا أن نفكر في دعوة الأقباط للمليونية, وكان يرى الملف القبطي من أهم الملفات على الإطلاق وبدا ذلك واضحا في وفود الأقباط وهي تتجه إلى عزائه وفدا بعد وفد, كما تميز ببعد النظر والقدرة على التخطيط فكان مخططا استراتيجيا من طراز فريد له مثابرة على العمل غير طبيعية, يحفز من حوله ويحثهم علي المزيد ويلهمهم الأفكار والابتكارات, لم يسر يوما دون خطة ولم يتوقف ساعة عن العمل وكان بعد كل عمل يقول تذكروا قول الله تعالي “فإذا فرغت فانصب” وكان ينهي أعماله بنفس الهمة والطاقة التي بدأ بها, كان قائدا ملهما صنع قادة من حوله وغرس في رجاله العزيمة والإصرار والتعلق بالله عز وجل فلم يقدم علي عمل وإن قل إلا وسأل الله التوفيق والسداد ورغب في الاستخارة وحث عليها, كما ارتقى بأبناء الجماعة وقادتها وكوادرها فجاب القرى والنجوع والمراكز والمحافظات في عزيمة تتصاغر أمامها عزائم الشباب, كانت صفاته تلك عاملا مساعدا في الوقوف بالجماعة في وجه تيارات التكفير وموجات التفجير, وقف بجماعته حائطا منيعا يحول دون انهيار الدولة وانجرارها لحروب أهلية طاحنة وكان يقول أن رأس أولويات الجماعة والحزب هي الحفاظ علي الدولة المصرية من التفكك والحفاظ علي أهلها من الاحتراب والحفاظ علي هويتها من التغريب أو التغييب. رحم الله القائد الملهم ..رحم الله فقيد الأمة الإسلامية كلها ..رحم الله الاستاذ والمعلم عصام دربالة في ذكري وفاته