بقلم/ أ. سيد فرج

تترقب العيون الغاضبة الحاقدة، والفرحة المسرورة، على اختلافها وتنوعها، وصول طالبان للحكم في أفغانستان، وتتسآئل هل ستصل للحكم وتنجح في الحفاظ على السلطة، وينجح مشروعها في النهضة بأفغانستان، ويصبح نموذج طالبان، أحد النماذج الجديدة في نظم الحكم السياسية، يمكن أن يدرس، ثم يتم تطبيقه في مناطق أخرى، ولا سيما في محيطها الإقليمي، في الدول قريبة الشبه بواقع أفغانستان، أم ستسقط طالبان، بسبب فشلها وإفشالها كما سقط حكم الإخوان .
وكلا الفريقين، يعقد مقارنة بين طالبان والإخوان، والحقيقة أن هناك فروق جوهرية بين طالبان والإخوان في عناصر عديدة، تجعل استمرار واستقرار طالبان في الحكم، وارد ومستطاع، لعقدين أو أكثر من الزمن، حتى مع انفراد طالبان بالحكم وعدم رضوخها للابتزازات الغربية والشرقية .
ويمكننا أن نجمل أهم هذه العناصر في االعناصر الأربعة التالية:
العنصر الأول: البناء التنظيمي، والفكر السياسي الشرعي، والقدرة على التطور في الخطاب والسلوك السياسي .
العنصر الثاني: البيئة الداخلية .
العنصر الثالث: البيئة الإقليمية .
العنصر الرابع: البيئة الدولية .
وسوف نلقي الضوء على هذه العناصر بشكل مختصر على هذا النحو:
العنصر الأول: وفيه ثلاث نقاط وهي :
1-البناء التنظيمي لطالبان:
يتميز بأنه كبير، ومنتشر، وقوي، ومنظم، ومرن، وفاعل، ومتطور، وقائم منذ عقود ثلاثة، وتم اختباره في إدارة الدولة الأفغانية، وتغلغل في دواليب الحكم، وسراديبها، في ظروف متعددة، ومتغيرة، وهو جاهز لاستلام الحكم، ثم أنه قائم على الشورى الحقيقية، الموسعة، القادمة من القاعدة للقمة (حيث تتمثل في الشورى القرى والمدن والولايات ثم القيادات الإدارية والسياسية والفاعلة ) .
“فيصعب منافسته من قبل جماعات، أو قبائل أفغانية أخرى، كما يصعب هدمه أوالقضاء عليه، سواء بالتفكيك، أو الاختراق، أو الاحتواء لبعض القيادات، أو الرموز، فهو أشبه بهيكل تنظيمي لدولة، وليس لحركة اسلامية، يتحكم في إدارتها، وفكرها، واقتصادها، وسياستها، وسلوكها، وخطابها، مجموعة من الأشخاص، لا تتعدى أصابع اليدين إن لم يكن أقل من ذلك، وانتشارها شرفي ونوعي في القرى والمحافظات”
2-الفكر السياسي الشرعي لطالبان :
الفكر السياسي الشرعي لطالبان، بدى منغلقاً ومتشدداً في بدايات نشأتها، وحكم كثيرون عليها بالانغلاق والتشدد، ولكن لم يلحظ هؤلاء أن حركة طالبان قياساً على الفكر الشرعي الأفغاني كانت حركة متطورة ومتقدمة .
ولقد أدركت الحركة مبكراً قياساً على الجماعات الأفغانية أهمية التجديد في الفكر السياسي، حيث أن الفكر السياسي الشرعي مرتبط بلاشك بحياة المجتمع وإدارته داخل بيئته الداخلية والإقليمية والدولية وهذا يحتاج إلى مواكبة التغيرات، وبالتالي يحتاج إلى مراجعة فهم النصوص الشرعية ومدى قدرتنا على ادراك العلاقة بينها وبين الواقع وملائمتها له .
وفي هذا الاطار أظهرت حركة طالبان ( نسخة 2021) براعة في إدارتها للصراع داخليا وخارجياً حيث قامت بتوافقات واتفاقيات وسياسات متنوعة ومختلفة ومتضاربة مع أعداء الأمس روسيا وإيران والصين، وكذا الجماعات الأفغانية المعادية لها، بل والحوار مع الأمريكان والصلح مع الحكومة، ومحاولة التواصل مع كل القوى الداخلية والدولية .
كما أنها تطرح نفسها اليوم على أنها حركة تحرير وطني ذات مرجعية اسلامية وليست حركة تريد غزو العالم .
كما أنها أطلقت عفوا شاملا عن من قاتلها أو عاونه، بل عفوا عن من عاون المحتل، وأطلقت تصريحات تشعر أعداءها وخصومها بالأمان، فقللت من الصدمة وامتصت ردود الأفعال الغاضبة داخليا وخارجيا، وأحدثت خرقاً في المجتمع الدولي، وجذبت إليها بعض القوى الدولية الفاعلة كروسيا والصين، وتسعى لجذب قوى أخرى ذات تأثير قوي كتركيا وقطر .
3-قدرة طالبان على التطور في الخطاب والسلوك :
لقد جعلت طالبان العالم ينصت لخطابها وسلوكها السياسي المنضبط الاحترافي (حتى الان) فجعلت المتربصين بخطابها وسلوكها، في تعجب وحيرة، فالأفراد والقادة على نسق واحد، وانضباط كامل من الأفراد إلى القادة، فلا تصريحات عشوائية، أوهمجية، أو انتقامية، لا فوضى، ولا قتل عشوائي، ولا عنف، موجه للمخالفين، فضلا عن الخصوم والأعداء، من أتباع الحكومة، أو المتعاونين معها، أو مع الأمريكان، أو حتى الأمريكان أو النيتو، حتى لا يوجد طلقات لمجرد الفرح بالنصر ولا يوجد اقتحامات لمقرات معارضين .
فحركة طالبان تطورت لدرجة أن خطابها، وسلوكها، على مستوى القادة والأفراد، أصبح خطاب وسلوك دولة، وليس خطاب جماعة، أو حركة، يملئه الاستعلاء، والاستقواء، والانتقام، والاستحواذ، ومجاملة الاتباع وخداع الجماهيير .
وبإلقاءنا الضوء على هذا العنصر السابق، يتضح أن استمرار واستقرار طالبان في الحكم متوقع وبنسبة كبيرة لا تحتمل التشكيك فيها والطامحون والطامعون في سقوط طالبان هم كمن يقف على الأرض بلا أجنحة ويطمح أن يطير في السماء، ولوأتو له بالأجنحة فلن يصعد إليها، فطالبان وصلت بعد هدم الحواز، ودحر الأعداء، فلن تقام أمامها مرة أخرى في الأجل القريب على أقل تقدير، ولن يقووا على الوقوف أمامها مرة أخر .
(( وسوف نلقي الضوء على باقي العناصر – إن شاء الله – إن كان في العمر بقية))
وأخيراً:
رغم محاولتي التشبث بالموضوعية، عند الكتابة في الأمور السياسية، إلا أنني بحكم ديني، ورغبتي في أن يكون الاسلام حاكما للدنيا بأسرها، وحبي للمسلمين عامة، وتمنياتي لكل المجاهدين ضد الاحتلال الأجنبي بالنصر والتمكين، أجدني أتمنى من كل قلبي، أن يحقن الله دماء المسلمين في أفغانستان ويوحد كلمتهم وصفهم، وأن تنجح طالبان في إقامة دولة عادلة، مستقلة، مستقرة، متقدمة، تكون مثالا يحتذى به .