القائمة إغلاق

المصالحة الخليجية.. بين درامية الحصار وفكاهية الأحضان

بقلم أ / سيد فرج

المصالحة الخليجية
بين درامية الحصار وفكاهية الأحضان

قراءة مختصرة في الدلالات والأثار وسلوك الحركة الإسلامية الأمثل

تمهيد:

في مشهد درامي غير محبوك، من تأليف وإخراج إماراتي، وببطولة سعودية، وكومبارس بحريني، وضيف شرف مصري، وانتاج سعودي إماراتي مشترك، بعد موافقة الرقيب الأمريكي، ووسط ذهول عماني، وترقب كويتي، وجمهور متفرج، مكون من باقي الدول العربية، بين ساخط ومهلل ومتسلق، وبحضور نقاد دوليين كثر، استيقظ العالم على مشهد الحصار لدولة قطر،بعد اتهامها بدعم الارهاب والتقارب مع إيران .

وهنا بدأ العالم ينتظر الخطوة التالية وهي اسقاط نظام الحكم في قطر واحتلال أراضيها .

وفي خطوة غير متوقعة،  تدخلت تركيا، وتحولت من متفرج (بحسب تقدير المؤلف والمخرج والبطل والكومبارس والنقاد) إلى ممثل أساسي مرتدياً ثوب السلطان العثماني، آخذاً دور البطولة .

وهنا اختل عدسة المصور، وتوجهت الانظار، والعقول، والقلوب إلى مشاهد شتى، وتجمد سلوك الممثلين والمشاهدين، وأصبح جميع من في القاعة، يبحث عن مخرج.

ومع مرور الوقت استظلت الدوحة، بمظلة الصمود، والسيادة، وأضحت دول الحصار في أزمة بينية، يحلمون بنهاية سعيدة،خاصة، مع قدوم راعي البقر الجديد في البيت الأبيض .

وكما استيقظ العالم على حصار قطر، بتهمة رعاية الإرهاب ، بات ليلة سعيدة، بعدما شاهد الحضن الدافئ الحاني الطويل بين ولي العهد السعودي وأمير قطر، حتى أن الشوق بينهما أنساهما مخاوف التقارب الاجتماعي بسبب فيرس كرونا.

وهنا نتوقف قليلاً، باسلوب أكثر علمية وموضوعية، لنناقش دلالات، وآثار، المصالحة الخليجية، وما هو السلوك الأمثل للحركة الإسلامية، للتعاطي مع هذا الحدث .

أولا: دلالات الأزمة والمصالحة الخليجية :

-أن هذه الأنظمة لا تخضع لإدارة أو فكر مؤسسات، ولكن القرارات والسياسات فيها، مرتبطة بمصالح حاكمها فقط .

-أن هذه الأنظمة لا تمتلك (غالباً) قراراتها السيادية، ولا تملك بمفردها الحفاظ على أمنها القومي .

-أن هذه الأنظمة لا تمتلك فيما بينها قدرة حماية أمنها من جارتها، أو قدرة الاعتداء بمفردها على جارتها، .

-أن هذه الأنظمة لا يأمن بعضها لبعض، وأنها ضعيفة، لا تملك القدرة على الدخول في صراع مسلح مع قوى إقليمية .

-أن هذه الأنظمة تتحرك بعيداً عن أرادت شعوبها، بل لا تعير لهم إهتماماً كبيراً، وتتلاعب بهم عن طريق إعلامها.

-أن هذه الأنظمة عدائها وولائها مصطنع، وليس فكرياً أو أيديولوجياً، يرتبط غالباً باستمرارها في السلطة وما يمليه عليها من يضمنون في الاستمرار في السلطة، وهذا واضح من عدم ذكر دعم قطر للإرهاب أو احتضان الإخوان كما كان يُدعى من قبل .

-أن هذه الأنظمة فيما بينها يحاول بعضها أن يتلاعب ببعض، وأنه لا يوجد بينها وبين بعض توافق حقيقي مداره الثابت الحفظ على أمن دولهم القومي .

-إن النظام في الإمارات خرج خاسراً، وأن مساحة الخلاف والتباعد والمنافسة بينه وبين النظام في السعودية تزداد .

– النظام البحريني والمصري، تتناوبه وتتجاذبه توجيهاً، السعودية تارة والإمارات تارة أخري، وتجد كل من النظام في مصر والبحرين مشقة في الجمع بين رضا السعودية والإمارات، الذي يتباعد كل منهما عن اآخر في ملفات عديدة .

-أن النظام في قطر ربح هذه الجولة، لاعتماده سياسات واقعية، ولارتباطاته التركية، والأوربية، والأمريكية القوية، ولكنه لا يأمن تكرار مثل هذه الأزمات .

-أن النظام التركي فرض نفسه، كونه لاعباً أساسياً في المنطقة والإقليم، وأن سياساته الاستراتيجية، سوف تأخذه نحو تحسين العلاقات، مع مصر والسعودية، مما يزيد من دوره وقوته، في المرحلة القادمة .

ثانياً: الآثار المترتبة على المصالحة الخليجية- من الحصار إلى الأحضان :

1-إعلامياً:

سوف ينضبط الخطاب الإعلامي الرسمي، ويقل الهجوم الإعلامي المتبادل على المستوي غير الرسمي، وذلك لاستمرار الجزيرة وأخواتها، في تناول الموضوعات التي تؤرق الأنظمة ى.

2-اقتصادياً:

ستستفيد دول كمصر وتركيا، من المصالحة الخليجية، فمصر بسبب عودة العلاقات مع قطر، وتركيا كثمر لوقوفها بجوار قطر، سيتم ضخ استثمارات في كلا الجانبين المصري والتركي .

3-سياسيا:

فعلي مستوى العلاقات الخليجية، والعربية، سيتقزم دور البحرين، ويتحجم دور الإمارات، وسيقوى دور السعودية، وستتسع مساحات الحركة والتأثير القطرية في الملفات والقضايا العربية والإسلامية، وسوف تعيد القاهرة حساباتها لكي تنحت سلوكاً سياسياً أكثر استراتيجية للمصالحة المصرية الوطنية، بحيث تستثمر العلاقات مع قطر، والاخفاق الإمارتي لصالحها، وسيزداد النفوذ التركي في المنطقة وسيتعمق مع قطر، وستتقارب العلاقات التركية المصرية والتركية السعودية وسيتم التوافق على معالاجات للقضايا التنافسية والخلافية بينها، أو على الأقل حصر القضايا وتقليلها مساحات الضرر فيها .

4-اجتماعياً:

سوف تتقارب الشعوب الخليجية، بشكل طبيعي، وسيستفيد الشعب المصري من هذه المصالحة على مستويات عديدة .

5- المعارضة المصرية والحركة الاسلامية المصرية والعربية :

-البعض يرى أن كل تقارب عربي يكون سلبي على الشعوب وفي القلب منها الحركة الاسلامية والمعارضة الوطنية.

-وهناك رأي أميل إليه، هو أن كل تقارب بين الشعوب أو حتى الأنظمة يكون في صالح الشعوب، ولاسيما إذا كان تقارباً بعد خلاف سياسي أيديولوجي لم يحسم، وكل طرف متمسك برؤية، ولا سيما الطرف المناصر لحرية الشعوب، فمن التسرع القول بأن المصالحة الخليجية، سوف تؤثر سلباً على المعارضة، أو الحركة الإسلامية، بل قد تكون سبباً للتخفيف في ملفات عديدة، تصب في النهاية لصالح الشعوب .

ثالثاً: السلوك الأمثل للحركة الإسلامية مع المصالحة الخليجية :

لابد وأن يحكم السلوك السياسي، لكل حركة ضوابط، تتوافق مع أيديولوجيتها، وهويتها، وأهدافها التكتيكية والاستراتيجية، بحيث لا يحكم سلوكها الأفعال الصبيانية،كالغضب، والتهور، وعدم الاتزان، والشماتة المؤقتة.

وعليه، فالسلوك الأمثل، هو تثمين التقارب العربي والإسلامي وإظهار الرغبة في تأكيده، واستدامته، وإظهار أن الحركة أو المعارضة لا ترغب إلا في تقارب الشعوب، وتتمنى أن يكون تقارب الأنظمة في صالح الشعوب العربية ويدعم قضاياها ومصالحها الوطنية .

التعليقات

موضوعات ذات صلة