د. أحمد زكريا
ها هي الأيام تمضي ونفقد كل يوم عزيزا لدينا، ويوم الجمعة 22-6-2018 غادرتنا أم غالية، وقلب وسع الكون محبة وحنانا وبرا، فها هي أم الهيثم ترحل في صمت يوم الجمعة المبارك، ومن جميل الأقدار أن أم المجاهدين أم خالد الاسلامبولي – رحمها الله – ماتت يوم الجمعة أيضا، وكأن نسائنا الصابرات اخترن يوم الجمعة للقاء الله عز وجل!
بعضُ المشاعرِ تأبى أن تغادرنا
كأنَّما زُرِعت في القلبِ شريانا
نبكي ونضحكُ من حزنٍ ومن فرحٍ
وتستمرُّ بذاكَ الحالِ دنيانا
رحلت أم الهيثم زوجة المجاهد الكبير الشيخ عبود الزمر، وأخت الدكتور طارق الزمر، بعد رحلة من المعاناة والألم ذاقت محتسبة في سبيل الله معظم أنواع البلاء وتجرعت كؤوس الصبر ألوانا،فما ضعفت لها همة ،ولا خارت لها عزيمة.
ابتليت – وهي الحسيبة النسيبة – بسجن زوجها وأخيها مدة 30 سنة بذلت فيها عمرها وراحتها ومالها خدمة للإخوة جميعا،فكانت بحق أما للجميع.
سيدة قضت زهرة شبابها تصون عشرتها مع زوجها السجين صابرة محتسبة، ثلاثون عاما تدور خلفه في السجون والنيابات وأقسام الشرطة ومكاتب المحامين ومراكز حقوق الإنسان.. تنصر قضيته،وتقف في ظهره،وتجهر بالحق في وجه الظالم غير هيابة لتهديد – رغم كثرة التهديدات – غير خائفة من موت أو قتل رغم ما تعرضت له من صعوبات.
ابتليت بالحرمان من الولد فكانت أما لكل الأحرار وملاذا لكل الأيتام.
ابتليت بالمرض العضال فما كلت ولا اشتكت ولا جزعت، برغم ضراوة السرطان حتى لقيت الله شهيدة – نحسبها كذلك والله حسيبها –
ويكفي ما قاله زوجها وابن عمها وشريك محنتها المجاهد الصابر عبود الزمر: فقدت نعمة أنعم الله بها عليّ في الدنيا زوجتي الوفية الصابرة المحتسبة أم الهيثم، التي وقفت خلفي في رحلة الحياة 40 سنة منها 30 سنة في المحنة .
ولقد أنعم الله عليها بمشهد رهيب في جنازتها إذ شاهدنا آلاف الأبرار المجاهدين يدعون لها،ويشهدون لها بالفضل،جاءوا من كل مدن وقرى مصر يثنون ويشفعون،فلله درها وعلى الله مثوبتها.
عُلُوٌّ في الحَيَاةِ وفي المَمَاتِ .. لَحَقّ تلك إِحْدَى المُكرمات.
سلام عليك يا أمنا وأختنا وسيدتنا ورايتنا التي وقفت مثل جبل أشم في وجه الظلم، سلام عليك يا طيبة الخصال، يا أم الأبطال .
على مثلك تبكي العيون كما بكت أروع الشهداء. سلام عليك، يوم ولدت ويوم رحلت، ويوم تبعثين شهيدة محتسبة مع الطاهرات العفيفات من نساء المسلمين ، وفي زمرة الشهداء والنبيين والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.