بقلم: لدكتور عبدالآخر حماد
سئل الشيخ الدكتور عبد الآخر حماد حفظه الله :
أنا مقبل علي السفر إلى المملكة السعودية وأود تأدية الفريضة وعليّ أموال ومظالم لأناس وقد يكون سداد الأموال وأداء المظالم يستغرق وقتاً أبعد من أداء الفريضة فهل يقبل الله الفريضة ؟
فأجاب فضيلته : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فإن الإجابة عن هذا السؤال تستلزم توضيح أمور ثلاثة : أولها : أن من عليه دين وليس لديه من المال ما يكفي للحج وسداد الدين معاً فإنه لا يجب عليه الحج ، لأنه يكون في هذه الحالة غير مستطيع للحج ، والله تعالى لم يوجب الحج إلا على المستطيع لقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ) ، ولذلك اشترط الفقهاء لوجوب الحج أن يكون عند الإنسان من القدرة المالية ما يستطيع أن يحج به وأن يكون ذلك المال زائداً عن حاجاته الأصلية ، ولا شك أن سداد الديون وتوفية العباد حقوقهم المالية من أهم ما يجب على الإنسان ، لذا لا يعتبر مستطيعاً من عليه ديون إلا إذا كان لديه من المال ما يكفي لسدادها ولتغطية نفقات حجه معاً. ثانياً : ومع ذلك فإنه إن حج ذلك الشخص الذي قلنا إنه لا يجب عليه الحج فإن حجه صحيح ، ونسأل الله أن يتقبل منه ، وذلك لأن الاستطاعة شرط في الوجوب لا في الصحة ، فالآية الكريمة التي ذكرناها قبل قليل بينت أن الحج لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلاً ، ولكنها لم تذكر أن غير المستطيع لا يصح حجه ، ولذا ذكر ابن قدامة في المغني أن من فقد شرط الاستطاعة إن تكلف الحج فحجه صحيح ، وشبه ذلك بمن كان لا يقوى على القيام في الصلاة ، ولكنه تكلف القيام فصلى قائماً رغم أن له رخصة في الصلاة قاعداً ، ومثال ذلك أيضاً أن العبد والمرأة لا تجب عليهما صلاة الجمعة ، لكنهما إن صلياها صح ذلك منهما . ثالثاً : لكن هل يأثم من حج وعليه دين فيكون حجه كما أسلفنا صحيحاً لكنه يكون آثما لتقديمه الحج على سداد الدين ؟ الذي يظهر والله أعلم أنه إذا كان الدائنون يريدون أموالهم ويطالبونه بها ولا يأذنون له في الحج فإنه يأثم إن قدم الحج على سداد الديون ، لأن أداء حقوق العباد واجب عليه أما الحج فهو في هذه الحالة ليس بواجب ، فكيف يمتنع من أداء ما هو واجب عليه ليؤدي ما ليس بواجب ، فإن كان الذي لديه من المال لا يكفي لسداد كل الديون فعليه أن يؤدي ما يستطيع أداؤه من تلك الديون ، وليبدأ بالأهم فالمهم وما بقي بعد ذلك فإن على أصحابها أن ينظروه إلى أن ييسر الله عليه ، كما قال تعالى : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) ، أو يعطي كل دائن جزءاً من دينه ، إلى أن ييسر الله بسداد الباقي ، فلذلك يتوجه القول بأنه إن قدم الحج على سداد الدين في هذه الحالة فإنه والله أعلم يأثم مع صحة حجه . وأما إذا أذن له الدائنون بأن يحج فالذي يظهر أنه لا يأثم إن حج قبل سداد تلك الديون لأن معنى إذنهم له أنهم رضوا بتأخير سداد ما لهم عليه من المال ، فحينئذ لا يكون سداده لتلك الديون واجباً فورياً عليه ، فلذا لا شيء عليه إن قدم الحج على سداد الديون . ويلحق بهذه الحالة الثانية والله أعلم أن تكون الديون مؤجلة ، ويعلم الإنسان أنه بإذن الله سيدخل عليه من الأموال ما يستطيع به سداد تلك الديون كمن يكون عليه أقساط شهرية ، وهو موظف في وظيفة ثابتة يغلب على ظنه الاستمرار فيها ويستطيع من خلال راتبه أن يسدد تلك الأقساط في مواعيدها فالذي يظهر أنه لا بأس في مثل هذه الحالة من المبادرة إلى أداء فريضة الحج والله تعالى أعلم بالصواب . ملاحظة : ذكر الأخ في سؤاله أن عليه مظالم للعباد ، فإن كانت هذه المظالم عبارة عن حقوق مالية للآخرين فهذه ديون يجري فيها ما يجري ما ذكرناه من حكم الديون ، أما إن كانت تلك المظالم أموراً أخرى كأن يكون قد ضرب إنساناً أو سبه أو نحو ذلك فالواجب عليه أن يتحلل من ذلك ، فيستسمح من ظلمهم ويسترضيهم ، لكن تلك المظالم لا علاقة لها بوجوب الحج من عدمه ، لأنها ما دامت ليست حقوقاً مالية فهي غير داخلة في معنى الاستطاعة الذي أشرنا إلى كونه شرطاً في وجوب الحج ، والله تعالى أعلم .