حكومات بلا خيال سياسي !!
الشيخ : عبود الزمر
لاشك أن الحكومات المتعاقبة في مصر تعاني من ضمور الخيال السياسي , أو قل إنعدام الخيال , وليس أدل على ذلك من أنها تتفاجأ دائماً بالأحداث , ولا تمتلك الرؤية المستقبلية الواضحة , فضلاً عن ضعف قدرتها على اتخاذ الحلول المناسبة للمشكلات , وكذا عدم القدرة على الابتكار والإبداع مع حالة الجمود والركود في موضع النشاط والحركة .
إن صاحب الخيال الثري الخصيب هو الذي يمكنه تصور الحدث المستقبلي وتداعياته وحسابات ردود الافعال المتوقعة , وكيفية معالجتها مع إمكانية الاختيار الصحيح بين البدائل المتاحة بمهارة .
إن الحكومة التي تمضي سريعاً في تنفيذ مشروعاتها الكبرى دون تشاور مع القوى السياسية والوطنية هي حكومة فاقدة لصفة من صفات المؤمنين ( وأمرهم شورى بينهم ) فضلاً عن إنعدام خيالها السياسي إذ أن هذه القوى السياسية شريكة في الوطن لا أجيرة عندها .
إن هذا النوع من الحكومات هو أشبه بعمال التراحيل الذين يعملون باليومية عند صاحب العمل دون أن يكون لهم هدف مستقبلي , بل أستطيع القول أن عمال التراحيل أفضل من هذه الحكومات لأن عمال التراحيل يعملون عند من لديه المال والخطة الواضحة , أما الحكومة التي لا خيال لها فهي تعمل بلا خطة واضحة , وتنفق من مال الشعب , بل وتستدين على حساب الأجيال القادمة .
أنظروا معي أيها السادة إلى التصرف الحكومي في حادثة الطائرة الروسية ومقتل الطالب الإيطالي , إذ لم تخلو المعالجة من تفكير بدائي لا يصلح في الواقع القائم , مما أدى إلى مواقف روسية وأوربية تضر بالوطن , ثم انظروا أيضاً إلى مشكلة سد النهضة وكيف أن الحكومة لم تتصرف بشكل جيد على مستوى الموقف , كما لم تتحرك لتعديل السياسات الزراعية بما يتناسب مع احتمالية نقص المياة , وانظروا أيضاً إلى ترتيب الحكومة للأولويات إذ أنها بدأت برفع الدعم عن المواطن وبتنفيذ مشروعات ضخمة لا تعود بالفائدة السريعة على شعب يحتاج إلى دعم مباشر لميزانيته المتخمة بالمصروفات , وهذا الترتيب بالطبع يفتقر للخيال السياسي حيث ظنت الحكومة أن الشعب سيشكرها على سرعة إنجازها للمشروعات الاستراتيجية , وسيصبر على حالة الفقر وزيادة الأعباء المعيشية .
إن الحكومة المصرية في خصومة دائمة مع الخيال السياسي فهي لا تكاد تدرك حتى الآن السبب في انخفاض شعبيتها , وانصراف مؤيديها , وزيادة معارضيها , وهي أيضاً غير متصورة لتداعيات وجود مظلومين خلف الأسوار وانعكاسات ذلك على مدى التوفيق والنجاح , كما أنها غير مدركة أن تنمية المشاركة السياسية بإطلاق الحريات للأحزاب والقوى السياسية والمواطنين هي العمود الرئيس للأمن القومي للبلاد وليس في القبضة الأمنية التي ثبت على مر العصور فشلها .
ومما لاشك فيه أن اختيار الوزراء بمعيار الثقة فقط لا الكفاءة هو أحد أسباب الخلل في الخيال الحكومي لأن أحدى مكونات الكفاءة هي القدرة على التخيل واستشراف المستقبل مع حسن التصدي للمشكلات مع معالجة السلبيات الناجمة عنها .
وهنا نحن قد اقتربنا من موعد طرح برنامج الحكومة على البرلمان فهل سيتسع خيال الحكومة ليشمل كافة المحاور والقضايا الهامة في المجتمع بما فيها لم الشمل وإنصاف المظلومين بما يعود بالوطن إلى وضعه الطبيعي بلا صراعات , ثم أتصور أنه لا يمكن أن يترك البرلمان الحكومة دون أن يضبط برنامجها على النحو الذي تتم فيه المعالجة الشاملة لكافة القضايا التي تشغل المواطن وتمثل طموحات الشعب التي من أجلها يضحي ويكافح .
والله المستعان