متى نرضى عن الله؟!!…1
بقلم/أحمد زكريا فك الله أسره
يتعجب العبد من نفسه،إن ضيق عليه في باب جزع وقنط،برغم أن آلاف الأبوب مفتوحة أمامه.
إن سلبت منه نعمة أصابه اليأس،وأصبح لسان حاله ومقاله السخط والشكوى.
ومن عاش محنة السجن والاعتقال سنوات عديدة يعرف كم من نعمة يعيشها الناس ويتمتعون بها،وهم لايشعرون،ولا تعرف تلك النعم المخفية إلا عند سلبها والعياذ بالله.
فلو أن أحدا حدثك عن نعمة المساجد ،ونعمة الذهاب إليها والصلاة فيها،لظن بعقلك جنونا،إذ إن المساجد تملأ الآفاق ،ومتاحة للجميع فما النعمة فيها؟!
أما إذا أصبح رهين القيد والحبس،ويسمع الأذان ولا يستطيع حركة ولا ذهابا،فعندها يتقطع قلبه حسرة وحزنا على تلك النعمة المهملة المنسية.
إن من أعظم أسباب عدم الرضا عن الله هو الاستهانة بالنعم واحتقارها،وعدم الالتفات لوجودها أصلا.
وكثير من الناس هذا حالهم،إذا حدثته عن نعمة الطعام والماء والهواء يظن بك جنونا،ووالله لقد عرفنا قيمة هذه النعم العظيمة في محنة الاعتقال،بل كان رغيف الخبز مجردا من أعظم أمانينا،وكنا نتمنى أن نشبع من الخبز،ولا يظن القارىء الكريم أننا كنا في الصومال مثلا،أبدا في مصر التي ينفق أهلها المليارات على صنوف الطعام ثم تلقى في القمامة،كنا داخل سجون مبارك لانجد الخبز،وكانوا يحضرون لنا ثلاثة أرغفة كل 24 ساعةأللفطور هي أم للغداء أم للعشاء،أم جاءت لنتبرك بها ،ونقسم عليها،وكنا عندها نصوم كل يوم،لأن معنا أخوة مرضى بالسكر وغيره،ويحتاجون للطعام،وكان معنا أخ وزنه يتجاوز 120 كيلوجرام،وكان لايتحمل الجوع ويصاب بالصداع المزمن إذا جاع ،فكنا نصوم لنوفر رغيفا من كل صائم لهؤلاء المرضى،ونكتفى نحن برغيفين في وجبة الإفطار لنشعر بالشبع ،ولا نتسحر لأنه لايوجد ما نتسحر به،أتذكر هذا الآن وأنا أرى فضل الله علينا وبركاته وسعته،وقلة شكرنا ،وازدراء الكثير منا لنعمة الله – إذا كان يعدها نعمة أصلا – وأحدث أولادي بهذا كثيرا ليحمدوا الله على عظيم فضله وإنعامه.
بل كان الماء يقطع علينا أياما وأسابيع ولا نستطيع ريا ولا وضوءا ولا استحماما لفترات طويلة،وماظنك إذا كان هذا في الصيف الشديد والعرق المتدفق،وفي مكان مغلق 4×5 متر تقريبا،وبها أكثر من 30 معتقلا،بل وصل الأمر والله أن وضعوا أكثر من 60 أخا في غرفة كهذه في الصيف الحارق،وحسبنا الله ونعم الوكيل.
فيتحول أملك في الحياة أن تشبع وترتوي من الماء،بل تشتاق لتقضي حاجتك وتجد ماءا تستنجي به،بل تتوق نفسك لزجاجة ماء عبوة لتر واحد تغتسل بها.
بل أحدثك بنعمة ربما لم يفكر فيها الكثير منا نعمة الشمس،مرت علينا شهورا طويلة وما رأينا الشمس ولا رأتنا،وكان منتهى السعادة أن نخرج 5 دقائق في الشمس لنعرض أجسامنا لها بعد اصفرار جلودنا وضعف بصرنا لقلة مساحة الرؤيا ،أصبح والله النظر إلى السماء من غير حائل ولا أسلاك أملا يداعب خيالنا.
بل أغرب من ذلك نعمة الهواء ،التي لا نلتفت إليها مطلقا،كانت تمر علينا أيام وليال في شهور الصيف القاسية ،وخاصة في سجون وادي النطرون حيث ترتف الرطوبة وتخرج الحوائط الخرسانية مياها من شدة الرطوبة،و تبحث عن ذرة أوكسجين لتتنفسها فلا تجد،فتضيق الصدور ويزداد العرق ويقع الكثير من الأخوة على الأرض بعدما تمكن منهم مرض الربو،ونصرخ على الشاويش فلا مجيب،وترى أمامك أمواتا تتساقط لأنها لم تجد ذرة هواء تتنفسها.
فمتى نرضى عن الله؟
فسبحانك أَنَا الصَّغِيرُ الَّذِيرَبَّيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الضَّعِيفُ الَّذِي قَوَّيْتَهُفَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْفَقِيرُ الَّذِي أَغْنَيْتَهُ فَلَكَالْحَمْدُ ، وَأَنَا الْغَرِيبُ الَّذِي وَصَّيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ،وَأَنَا الصُّعْلُوكُ الَّذِي مَوَّلْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وأنا العزبالَّذِي زوجته فلك الحمد ، وَأَنَا السَّاغِبُ الَّذِي أَشْبَعْتَهُفَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْعَارِي الَّذِي كَسَوْتَهُ فَلَكَالْحَمْدُ ، وَأَنَا الْمُسَافِرُ الَّذِي صَاحَبْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ،وَأَنَا الْغَائِبُ الَّذِي أَدَّيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَاالرَّاجِلُ الَّذِي حَمَلْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الْمَرِيضُالَّذِي شَفَيْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ ، وَأَنَا الدَّاعِي الَّذِيأَجَبْتَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ , رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَاحَمْدًا لَكَ عَلَى كُلِّ نِعْمَة.