ثقافةالداعية بينالأصالة والمعاصرة
بقلم:أحمدزكريا عبداللطيف فك الله أسره
الدعوة إلى اللهشرف عظيم لايرقى إليه إلا أولو العزمات،ولاينال هذا الشرف إلا العاملون المخلصون،فهيمهمة الرسل،الذين هم خيرة الله من عباده،وسفراؤهإلى خلقه،وتحمل هذه المهمة الشريفة بعدهمالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء.
والدعوة إلى اللههي أشرف الأعمال بعد الإيمان بالله عز وجل :”ومن أحسن قولاممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننيمن المسلمين“
والداعية رجلصفت نفسه،ورق قلبه ،وخشعت جوارحه،ولانفؤاده،فهو دائم التلقي من ربه ،شديد التوجهإليه،عظيم الرجاء فيه:” يرجو رحمته ويخشى عذابه“.،فهو بين الخوف والرجاء،دائمالأمل في وجهه – سبحانه – أن يقبل منه عمله،وأن يبارك له سعيه،وأن يفتح له قلوب الصالحينمن عباده،ولسان حاله يردد:”ربناتقبل منا إنك أنت السميع العليم“،وكلهأمل أن يسلكه ربه في مقام الصالحين الذينقال فيهم – جل وعلا -: “والذينيمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لانضيعأجر المصلحين“.
أهم صفات الداعية:
إن الداعية الذينقصده شيء غير الخطيب،فإذا كان الخطيبخطيبا وكفى،فالداعية مؤمن بفكرة،يدعوالناس إليها بالكتابة والخطابة والحديثالعادي،والعمل الجدي في سيرته الخاصة والعامةوبكل ما يستطيع من وسائل الدعاية،فهو كاتبوخطيب ومحدث وقدوة يؤثر في الناس بعملهوشخصه.
الداعيةطبيب اجتماعي:
فهو يعالج أمراضالنفوس،ويصلح أحوال المجتمع الفاسدة،فهوناقد بصير،يقف حياته على الإصلاح إلى ماشاء الله،وهو رفيق وصديق،وأخ للغني والفقير،والكبيروالصغير،ومن هذه الصفات تشيع المحبة في قلبه ،وتتدفق الرحمة من عينيه ،وتجري المواساةعلى لسانه ويديه،وهذا ضروري جدا للداعية..فدعوتهفيض من مواهب الروح والجنان،لا من صفاتالبلاغة وملكات اللسان،والداعية قائدفي محيطه ،وسياسي في بيئته،وزعيم لفكرتهومن يتبعه في ناحيته،وكل هذا لاتنهض الخطابةوحدها بحقوقه،فلابد له من التأثير النفساني،والهيمنةالروحية،والاتصال بالله،واستعانة العقلبما حصل من تجارب التاريخ،وأحوال الناس.
الداعيةيعيش هموم أمته:
فهو شاعر في نفسهأنه المسؤل وحده عن أمنها واستقرارها،وحراسةعقيدتها وصيانة كيانها والمحافظة على قيمها،إنهيشعر أن كل خطر عليها هو خطر عليه،وكل بأسيصيبها فإنه نازل به،إنه منها بمنزلة الراعيالشفوق على غنمه،والأب الحاني على بنيه.
الداعيةكيس فطن:
فلا يكفي أبداأن يكون الداعية مؤمنا بدعوته مخلصا لفكرته،مهمومابآلام أمته،بل لابد مع ذلك أن يكون واعيابثقافة عصره،متسلحا بسلاح خصمه،قادراعلى رصد أساليبه وخططه،لاسيما وقد ازدهرتفي زماننا اليوم علوم حديثة نشأت في ظلالحضارة المادية الأوربية،ونمت في بيئاتدنيوية وإلحادية،غاية همها إمتاع الجسد،ورهافةالبدن ونعومة العيش.
فلابد للداعيةمن وعي وبصيرة وثقافة تعينه على أن يرىببصيرته ما تعجز بصائر الكثيرين عن رؤيته،ويدركبفطنته وخبرته ما يحاول الخبثاء الماكرونتمريره بحذقهم ومرانهم،وكثرة إتقانهملفنون الدس والتمويه والتضليل والخداع،فينبغيله أن يكون بصيرا بأحوال أصحاب الأقلام،فطنالأساليبهم ،واعيا لما تضمره النفوس الملتاثةمن خبث وكيد و حقد،يخفى على البسطاء والعوام،ويدركهذوو البصائر والأفهام.
وهذا الصنف ليسوليد اليوم بل هو من القدم ماجعل الله يحذرنبيه صلى الله عليه وسلم منهم فقال سبحانه: “ولو نشاء لأريناكهمفلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القولوالله يعلم أعمالكم“.
وهذا ما يؤكدعليه الشيخمحمدالغزالي – رحمه الله –فيقول منكرا على المسلمين جهلهم بواقعهم،وانشغالهمبأمور صغيرة،واهتمامات حقيرة:(ترى ماذايشغل فقهاءنا ومفكرينا،إذا كانت حياةالدين كله في مهب العواصف؟!وما هي القضاياالأهم التي تشد انتباههم،ويبدأون فيهاويعيدون؟وإذا كان المسلمون حملة دعوة عالميةفهل درسوا العالم حولهم،وعرفوا ما يسودهمن ملل ونحل؟ وهل عرفوا العدو والصديق؟.
وإذا قيل لهمفي كتابهم عن المتربصين بهم: “ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عندينكم إن استطاعوا“.
فهل فتحواأعينهم على مكامن الخطر،واتخذوا أسبابالحيطة). (همومداعية،الشيخ محمد الغزالي ،ص49).
الداعيةيؤمن بأن الهداية بيد الله وحده:
فلابد للداعيةبجانب إيمانه بدعوته،وحرصه الشديد علىانتشار فكرته،ينبغي ألا ينسى في خضم هذاالمعترك أمرا مهما،بل هو أهم العوامل فينجاح الدعوة،وهو أن مفاتيح القلوب ليستبيده،وإنما القلوب بيد الله يقلبها كيفيشاء،وأن يعلم أن بيانه القوي،وفؤاده الزكيوعزمه الفتي،كل ذلك لايكفي لفتح قلب أوغلفي الباطل وأمعن في الضلال،وأن يضع أمامهدائما قول الحق – سبحانه -: “ليسعليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء” .
وينبغي ألا يستوحشمن الطريق إذا رأى قلة السالكين،ولا يفتفي عضده إعراض المعرضين،وليتذكر قول ربهلنبيه:”وماأكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين“.
وليعلم أن اللهسائله عن بذل الجهد وإحسان العمل وإخلاصالنية ودقة الالتزام بدين الله رب العالمين،ولنيسأله عن إعراض المعرضين وقلة المهتدينفقد عذره الله بقوله: “إنكلاتسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذاولوا مدبرين** وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهمإن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون“.
الداعيةمبلغ عن ربه:
وليعلم الداعيةجيدا أنه مبلغ عن الله وعن رسوله ،فعليهأن يتأدب بأدب الظاهر والباطن،فيطهر باطنهمن الحقد والحسد والعجب والكبر والظلموالعقوق،ويطهر لسانه من الغيبة والنميمةوالكذب وقول الزور،لأنه إن تلبث بشيء منذلك كان أهلا لأن ينفض الناس عنه،ويزهدونفي الجلوس إليه أوالقرب منه وقد علمنا ربناسبحانه وتعالى أن نجاح الداعية في دعوتهموقوف على إيمانه بها والتزامه بمبادئهاوأخلاقها في قوله سبحانه على لسان نبيه: “وما أريد أن أخالفكمإلى ما أنهاكم عنه“.
الداعيةأمين في نقله،لايكذب على الله ولا على رسوله:
فإذا أيقن الداعيةأنه مبلغ عن الله وعن رسوله،فيتحتم عليهأن يكون أمينا في نقله عن ربه،متحريا فينقله عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
وليحذر تعمد الكذبعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،حتى لوظنأن كذبه سيجلب نفعا أو يدفع ضررا،فإن الكذبعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجبالنار،وهو من أكبر الكبائر،لقوله صلى اللهعليه وسلم: “ومنكذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار“.
وليحذر كذلك منالانزلاق وراء إغراء الحكاوي والقصص التيتعجب السامعين وتجذب العوام،وليست من الحقيقةفي شيء،بل غالبا ما تأتي هذه القصص أقربإلى الخرافة وأبعد عن الواقع وأدعى إلىالرفض والسخرية وعدم التصديق.
ومثل هذه القصصالساذجة تنزل بقدر الداعية والدعوة وتعطيلأعداء الدين الفرصة ليشككوا فيه ويسخروامنه ويتطاولوا عليه ،متخذين من تلك الإسرائيلياتسلاحا يهزون به الراسخ من العقائد والثابتالصحيح من قواعد الدين،ولو اهتم الداعيةبالبحث والتحصيل لوجد في الصحيح الثابتعن رسول الله وصحابته ما فيه غنى وكفاية.
الداعيةصابر محتسب:
فإذا استكمل الداعيةجوانب الدعوة إيمانا وأخلاقا وثقافة،وجبعليه أن يوطن نفسه على تحمل ما يقع له فيطريق الدعوة من أذى وأن يحتسب ذلك كله عندالله،وأن يعلم أن مهر الجنة غال.
ومن يخطب الحسناءلم يغلها المهر.
وليضع أمام عينيهدائما قول نبينا صلى الله عليه وسلم: “حفت الجنة بالمكاره،وحفت النار بالشهوات“.