القائمة إغلاق

بين مون جاي والمعتمد بن عباد هل يستوعب العرب درس الكوريتين ؟


بقلم الدكتور : عبد الآخر حماد 
بعد عشرات السنين من الخصومة والقطيعة بين شطري شبه الجزيرة الكورية التقى الرئيس الكوري الجنوبي ( مون جاي إن ) مع نظيره الشمالي ( كيم جونج أون ( في قرية على الحدود بين الدولتين الكوريتين ، وكان مما أسفر عنه ذلك اللقاء الاتفاق على نزع السلاح النووى وإرساء السلام فى شبه الجزيرة الكورية .
وكاتب هذه السطور ليس محللاً سياسياً ولا يمكنه الإحاطة بأبعاد هذا اللقاء وما جناه الطرفان من ورائه.
لكني أود الوقوف عند معنى بسيط لا يحتاج في فهمه لتخصص دقيق ولا فهم عميق ، ألا وهو أن هذا اللقاء يدل على حرص الرئيسين على المصلحة العليا لبلادههما ،وعدم الانسياق وراء رغبات أطراف دولية لها مصالح كثيرة من وراء إذكاء نار العداوة بين الجارتين واستمرار التوتر والخصومة بينهما .
إن من مما لا يخفى علينا أن من أهم مبادئ ديننا الحنيف الحرصَ على وحدة الكلمة والاعتصام بحبل الله المتين ،وأنه يجب تقديم المصلحة العليا للإسلام والمسلمين ، وأنه في سبيل ذلك يجب تجاوز الخلافات والنزاعات الضيقة .
والتاريخ – وهو شاهد صدق- يحدثنا -كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية – أنه لما وقعت الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فإنَّ ملك الروم لما رأى اشتغال معاوية بحرب علي تدانى إلى بعض بلاد الشام في جنود عظيمة ،وطمع فيه ،فكتب إليه معاوية : ( والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين ،لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ،ولأخرجنك من جميع بلادك ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت ) ،فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف .
هذا هو درس التاريخ ،ولكن قومنا لا يتعلمون من مثل تلك الدروس ، فواقع العرب والمسلمين اليوم يشهد اختلالاً في الموازين ،وانقلاباً في المفاهيم ،ومواقف لساستهم تدع الحليم حيران .
إذ في الوقت الذي تتنافس فيه بعض الأنظمة العربية في إرضاء أشد الناس عداوة للذين آمنوا من اليهود ومن ورءاهم ، نجد تلك الأنظمة تتناحر فيما بينها ،ويقاطع بعضها بعضاً ،ويرفض كل منها الالتقاء مع الآخر . 
وإن من أعجب العجب أن تقع مثل تلك الخصومات الشديدة بين بلدان شقيقة متجاورة دينها واحد ولغتها واحدة ،وبين شعوبها من وشائج الصلة والقربى ما بينها ، وقد ذكرني ذلك بما ذكره الأستاذ هيكل ذات مرة عن أحد السياسيين في السودان من أنه كان يرى أنه لا يمكن بحال اتحاد مصر والسودان مستشهداً ببيت من الشعر قديم يقول صاحبه : 
فلو أنا على حجر ذبحنا * جرى الدَمَيان بالخبر اليقين
أي أننا لو ذُبحنا في مكان واحد لسار دم كل واحد منا في اتجاه غير الذي يسير فيه دم الآخر ،كناية عن شدة البعد والقطيعة بيننا .
لقد كشفت بعض التقارير الصحفية عن ضغوط مارستها إدارة ترامب على كوريا الجنوبية مطالبة إياها بدفع فواتير مالية باهظة في مقابل حمايتها من جارتها الشمالية ، وبحسب تلك التقارير فإن كوريا الجنوبية رفضت تلك الضغوط ،ورأت أن من الأفضل لها التقارب مع شقيقتها ، وأن ذلك أجدى لها ،وأقل تكلفة مما يطلبه منها ترامب . 
وقد كنا نتمنى أن يستفيد قادة العرب والمسلمين من مثل هذا الموقف الكوري . لكن أنَّى يكون ذلك ؟ وأمر القوم ليس بأيديهم ،وقد سمع العالم كله الرئيس الأمريكي وهو يوجه حديثه لهم بأنهم إذا أرادوا أن ينالوا حمايته فعليهم أن يدفعوا ثمن هذه الحماية ،وثمن ما تقرره الإدارة الأميركية من مشاريع سياسية وأمنية ، وها نحن نرى الأنظمة العربية تتبارى في الدفع مقابل الحماية الأمريكية المزعومة لها ، ولو أنهم رجعوا إلى دينهم فأقاموا شريعة ربهم ،وتفاهموا فيما بينهم ،واصطلحوا مع شعوبهم ، لما استطاع ذلك التاجر الأمريكي الماكر أن يبتزهم ويسلبهم أموال بلادهم وخيراتها . 
يذكر المؤرخون في تاريخ الأندلس أنه بعد سقوط طليطلة في أيدي القشتاليين سنة 478هـ شجعت مواقفُ ملوك الطوائف المخزية ملكَ قشتالة ( ألفونسو السادس) على التحرك لالتهام حواضر الإسلام الأخرى، وصار يتعمد إذلال أولئك الملوك ويطلب منهم المطالب الغريبة ،حتى إنه طلب من أحدهم وهو المعتمد بن عباد – –صاحب إشبيلية- أن يسمح بدخول امرأته –أي امرأة ألفونسو- جامع قرطبة لتَلِدَ فيه ، إذ كانت حاملاً ،وكان الأساقفة والقساوسة هم الذين أشاروا بولادتها في المسجد لمكان كنيسةٍ كانت -كما قيل – في الجانب الغربي منه.
ولما أدرك المعتمد بن عباد خطورة الأمر عزم -ومعه بعض ملوك الطوائف- على الاستغاثة بيوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين ببلاد المغرب ، من أجل الوقوف في وجه أطماع ألفونسو ومن معه .
ولكن بعض ملوك الطوائف حذروا المعتمد بن عباد من مغبة استدعاء ابن تاشفين خوفاً من استبداده بالأمر دونهم ، وأنه يمكن أن ينتهي الحال بابن عباد إلى أن يكون راعياً لإبل ابن تاشفين بعد انتصاره على القشتاليين ، فأجابهم ابن عباد بقولته المشهورة التي صارت مثلاً : ( إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير ) أي إن كونه أسيراً عند ابن تاشفين يرعى جماله في الصحراء خير من كونه أسيراً عند الفونسو يرعى خنازيره في قشتالة . 
وقد استجاب يوسف بن تاشفين لدعوة ملوك الطوائف ،وعبر مضيق جبل طارق إلى بلاد الأندلس وقاتل القشتاليين في سهل الزلاقة في معركة هائلة ، ثبت فيها المسلمون وأبلوا بلاءً حسنًا فنصرهم الله تعالى ،وقتل معظم جيش القشتاليين، وعاد يوسف بن تاشفين بجنوده إلى بلاد المغرب .
فيا قومنا : تلك دروس التاريخ ،وهذه دروس الواقع ، فيا ليتكم منها تتعلمون .
عبد الآخر حماد
عضو رابطة علماء المسلمين
22 / 8/ 1439هـ – 8/ 5 / 2018م

التعليقات

موضوعات ذات صلة