بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور عبد الآخر حماد
منذ عشرين عاماً غزت القوات الأمريكية أفغانستان، على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة. ويومها ظهر الرئيس الأمريكي بوش وهو يقول منتشياً بالنصر: (بجهود جيشنا وحلفائنا والمقاتلين الأفغان الشجعان وصل حكم طالبان لنهايته.. لكن مسؤولياتنا تجاه الشعب الأفغاني لم تنته بعد، نحن نعمل على عهد جديد من حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية في ذلك البلد).

ولكن هذا العهد الجديد الذي بشَّر به بوش لم يتحقق منه شيء. فإنَّ الحكومات العميلة التي نصبتها أمريكا في أفغانستان لم توفر لشعبها تلك الكرامة الإنسانية المدعاة، ولا صانت حقوق الإنسان. كما أن حركة طالبان -وإن نُحِّيت عن الحكم – إلا أنها لم تنته، بل ظلت طيلة عشرين عاماً رقما صعباً يخبو حيناً، ويظهر حيناً. وظل مقاتلوها يكبدون القوات الأمريكية وحلفاءها الخسائر تلو الخسائر. إذ لجأت الحركة إلى شن حرب عصاباتٍ على القوات الأمريكية وحلفائها وعملائها، وهو ما أدى إلى خسارة الخزانة الأمريكية لأكثر من تريليون من الدولارات، بحسب تقدير مصادر صحفية أمريكية، إضافةً إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوهات وإعاقات دائمة.
وبسبب تلك التكلفة المالية والبشرية الهائلة اضطُرت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب إلى التفاوض مع طالبان -رغم أنها تصنفها على أنها حركة إرهابية – حتى تم التوصل إلى اتفاق الدوحة في آخر فبراير 2020م، الذي ينص على انسحاب قوات أمريكا وحلفائها من أفغانستان خلال أربعة عشر شهراً. وبالفعل بدأت القوات الأمريكية في الانسحاب من أفغانستان في نهاية أبريل 2021م.
ومع انسحاب القوات الأمريكية كانت قوات طالبان تحقق تلك الانتصارات المدوية التي كانت حديث العالم كله في الأيام القليلة الماضية. وقد كان ذلك بمثابة تصديق لمقولةٍ مهمةٍ كان الملا عمر رحمه الله –زعيم حركة طالبان السابق – قد قالها عشية الغزو الأمريكي لبلاده حيث قال: ” إن الرئيس الأمريكي جورج بوش يمكنه أن يحدد موعد دخول قواته إلى أفغانستان، أما تاريخ خروج تلك القوات من أفغانستان فنحن الذين سنحدده بمشيئة الله”.
وكان الملا عمر قد قال أيضاً: (إن بوش وعدني بالهزيمة، ووعدني الله بالنصر، وسنرى أي الوعدين يصدق). وقد مات الملا عمر، وبقي بوش ليرى ويسمع كيف صدق الله وعده، ونصر عباده المستضعفين، وكيف خرجت قوات بلاده من أفغانستان تجر أذيال الخيبة والعار، تاركةً وراءها أولئك العملاء الذين سماهم بالمقاتلين الشجعان، يستسلمون دون قتال.
وهذا يذكرنا بما حدث في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حين تمكن الشعب الأفغاني المسلم من إلحاق الهزيمة بقوات إمبراطورية من أعتى الإمبراطوريات في التاريخ. وأعني بها قوات الاتحاد السوفيتي السابق، الذي أُجبِر قادتُه على سحب جنودهم من أفغانستان، بعدما نجح المجاهدون الأفغان بإمكاناتهم المحدودة في إلحاق الهزيمة بهم، فخرجوا يجرون أذيال الخيبة، مُتخلِّين عن أذنابهم وعملائهم.
نسأل الله تعالى أن يكون ذلك فاتحة خير وبركة على أهلنا في أفغانستان المسلمة، وسائر بلاد المسلمين.
عبد الآخر حماد
8/ 1/ 1443هـ- 16/ 8/ 2021م