بقلم الأستاذ شهاب فاروق
“وما سلطان الدنيا أريد وما للدنيا أعمل، وإن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان وقوّام بأمر الله عزوجل، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه”… بهذه الكلمات الذهبية يجيب أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح سيف الله المسلول خالد بن الوليد يوم اليرموك عندما جاء كتاب أمير المؤمنين عمر بعزله من قياده الجيش ليتولى أمين الأمة أبو عبيده قياده الجيش.
الموقف والحدث ينم عن أصالة المبدأ ويبرز جانباً فريداً من جوانب الشخصية المسلمة ويؤرخ لقيمة الأخلاق في حياة الرجال ويضع عنوانا عريضاً لعظمه المنهج وأصالته، الموقف بأحداثه وتفاصيله يثير الشجون والألم وغصة في الحلق لأمة أنهكتها عوامل الانقسام واللهث وراء أهداف وغايات رخيصة لاتسمن ولا تغني من جوع ولا تعدو كونها سراب يحسبه الظمآن ماءا حتي إذا جاءه لم يجده شيئا.
الموقف بأحداثه وتفاصيله ينبه إلى حقائق مؤلمة، تدهش العقل المسلم عندما يقرأ أو يسمع عن هؤلاء، فيتعلم منهم أنه لا يهم من أنا ومن أكون وأنه لا قيمة للمقامات إذا كانت القضية تتعلق بالدين والعقيدة، كلمات قليلة يتعلم منها القادة عبر الأزمان أنهم هم من يعلمون جنودهم كيف تكون الجندية في الإسلام بالعمل والفعل قبل الأقوال.
لم يكن من المهم عند هؤلاء الأكابر في أي منصب يكون، فهم يدركون قول معلم البشرية عليه الصلاة والسلام “طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه أشعث رأسه مغبرة قدماه إذا كان في الساقة كان في الساقة وإذا كان في الحراسة كان في الحراسة”.
سطر ذهبي من كتاب التاريخ، يتعلم منه المسلمون أدب الحوار وعمق الرسالة وعظم الهدف، نعيش في محاولة لتخيل الحوار بالصوت والصورة وأري تعبيرات الوجه ونبرات الصوت الممزوجة بالصدق والرضا، ياله من مشهد تعجز كل معاجم اللغة عن شرحه، أن عامر بن الجراح أمين الأمة يعلم البشرية حقيقه الدنيا التي لا قيمه لها، ويقف سيف الله المسلول خالد بن الوليد ليعلم البشرية كيف يكون التجرد لله وإنكار الذات وهو القائد المنتصر.
إن التاريخ بكل قرونه الطويلة لم يمح أثر هذا القائد العظيم وأبت سيرته إلا وأن تظل نبراسا ومشعل هداية تقتدي به الأمم ما بقيت، وتظل هذه الكلمات المعدودة التي دارت بينهما شاهدة على أوثق عرى الإيمان وهي الحب في الله، إنها الأخوة في الله في أسمى معانيها، والتي بها استطاع المسلمون أن يكونوا جسدا مترابطا وبمثلها يستطيعون أن يعودوا كذلك مرة أخرى.
ولا شك أن مثل هذه المواقف تؤكد أننا نحن المسلمون نمتلك الكثير من القوة والإرادة التي تفعل المستحيل، فنحن نمتلك منهجا ربانيا فريداً، يتعلم منه القادة العسكريون إلى يومنا هذا كيف تكون إدارة المواقف وقت الأزمات وكيفية اختيار أفضل الأوقات لاتخاذ القرارات المصيرية، وأن النجاح والفشل متعلق دائما بالتقدير الصحيح.
ولا يزال الحدث يحوي الكثير من الجواهر التي يمكن للباحث اكتشافها، فهل نشهد يوما نسود فيه الدنيا وتعود عزة المسلمين مرة أخرى باتباع منهج سلفنا الصالح!؟