حاوره/ فضيلة الشيخ علي الديناري.. شارك في الحوار/ الأستاذ شهاب فاروق
التعجب من أقدار الله هو الشعور الذي يملك كل قلوبنا حين نلتقي من جديد في الحرية.. واللحظة التي تجمعنا لابد أن تعيد صفحة من المحنة لتقارنها بالحاضر فتهتف الأعماق : سبحان الله!.
من كان منا يتوقع أن نلتقي وفي هذا المكان ؟! فتؤكد القلوب على يقينها (إن وعد الله حق)
وهكذا التقينا عند أخينا الحبيب أحمد شكري.. التقينا هذه المرة لنهنئه بالفرج والحرية.
وأخونا الكريم أحمد شكري من الإخوة الذين جاء التزامهم امتدادا طبيعيا لتربية البيت على تعظيم الدين وحب أهله.. وهذا النوع من الشباب تأتى استجابته للحق والجمال والخير فطرية، وحين يلتقي بأهل الإيمان والدعوة فسرعان ما ينسجم معهم.. فقد التقى بذاته ووجد ضالته وعرف طريقه فسلكه وإن كان يعرف من البداية أنه طريق لابد أن يمتحن فيه.
وهذا هو أخونا أحمد شكري تلقفته المحنة وأبحر في بحر الكرب وترحل في صحراء البلاء مراحل.. ونزل فيها محطات كثيرة كانت كما يقول كلها إيجابية تعلم منها الكثير.
والآن مع الحوار الهادئ والمفيد..
السلام عليكم ومبارك على الفرج والحمد لله على السلامة واسمح لنا بحوار معك؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبارك الله فيكم ومرحبا بكم.
نحب أن تعرف الإخوة القراء بنفسك؟
أخوكم أحمد شكري أحمد حسن.
مواليد 1/1/71 بالقاهرة.
خريج معهد رسم وتصميم آلات هندسية بالمطرية.. وحصلت في السجن على ليسانس الآداب قسم تاريخ.
الحالة الاجتماعية: متزوج ومعي ابني شكري 8شهور .
أنت قاهري إذا يا عم الشيخ.. فأنت من مواليد القاهرة وخريج القاهرة.. فمالك ومال السويس؟
ضحك وقال: الوالد أصلا من قنا وجاء إلى السويس ليعمل.. ثم هاجر إلى القاهرة وهناك أنجبني.. ثم عادت الأسرة إلى السويس عام 74 فأنا من مواليد الهجرة .
حدثنا عن الوالد رحمه الله .
والدي يرحمه الله كان يعمل كبير سائقين بشركة السماد.. وكان طيب القلب وكان يعاملنا أنا وإخوتي كأصدقاء له.. وكان يشاورني في أمور الأسرة فكنت قريبا جدا منه ولذلك افتقدني.. وتأثر جدا بغيابي لدرجة أنه أصيب بعدد من الأمراض وقد توفى إلى رحمة الله وأنا في السجن.
وما أهم ما تعلمته منه رحمة الله عليه ؟!
والدي كان كبيرا بين أهل الحي وبين زملائه ولذلك كانوا يستدعونه للتدخل في حل المشاكل والنزاعات.. وكان له أسلوبه وطريقته في التدخل في المشاكل فكان ناجحا في الصلح والتوفيق بين المتخاصمين وأهم ما تعلمت منه الصبر.. كان صبورا ً في تعامله مع الناس وصبورا في إتقان عمله كما أنه أصيب بعدة أمراض بعد اعتقالي وصبر عليها .
حدثنا عن حياتك قبل الالتزام .
من صغرى كنت أحب كرة القدم وكنت ألعب في النادي ولكني لم أختلط بالشباب الفاشل لأني كنت أصلى.. ولكن كنت أتركها أحيانا وكنت متفوقا في دراستي حريصا على المراكز الأولى.. وحافظت على هذا التفوق من الابتدائية حتى الثانوية ولكن في الثانوية العامة حدثت حادثة أثرت على مجموعي.
وما نوع هذه الحادثة ؟!
كنا مجموعة من الأصدقاء كلنا متفوقون وكنا نذاكر سويا ونخرج سويا ً.. وكان لي صديق عزيز أخذ سيارة والده في السر وخرج بها مع بقية أصدقائنا وفى الطريق حدثت حادثة أليمة راح هو ضحيتها وأصيب الباقون وافتقدته من حياتي.
وقد كنت أحبه جدا وأنت تعرف قيمة الصديق في هذا السن بالذات.. وكان ذلك قبل الامتحانات بقليل فتأثرنا جميعا وتأثر المجموع الكلى لنا جميعا ً.. وقد نصحني أستاذي بإعادة السنة وقال: هذا المجموع ليس مجموعك ولكني تقدمت للتنسيق بمجموعي هذا.
وهل كان لهذا الحادث تأثير آخر غير تأثيره على دراستك ومجموعك ؟!
هذا الحدث هز جميع الطلبة والمدرسين وهزني أنا أكثر.. لأن الموت خطف صديقي هذا فجأة فكان عبرة لي.. فقد كان في ترتيب أصحابي أن أكون معهم في هذا المشوار الأخير وجاءوا ليأخذوني ولكنى كنت نائما يعنى كان من الممكن أن أكون بين يدي الله وأنا بصراحة لم أكن جاهزا للعرض والوقوف أمام الله والحساب على الكبيرة والصغيرة.. لم أكن جاهزا ًولا كنت أتوقع أن الموت بهذا الخطف والفجأة.. لقد غير هذا الموقف في نفسي أمورا إيمانية كثيرة.
فماذا إذا تغير في حياتك عمليا ؟
واظبت على الصلاة ولم أتركها وبدأت أصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.. وبدأت ألتزم مع نفسي إلى أن سمعت عن الجماعة الإسلامية.
ومتى سمعت عن الجماعة الإسلامية ؟
كنت قد بدأت أهتم بالعبادة والطاعة.. وكنت في حاجة كبيرة لمن يعينني على هذا الطاعة فسمعت عن الجماعة الإسلامية أنهم شباب يعين بعضهم على طاعة الله ويقومون بأعمال صالحة مع بعض.. يصومون النوافل ويفطرون مع بعض ويصلون بالليل مع بعض.
وسمعت أن الجماعة الإسلامية تعمل للدين بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله.. وتفهم الإسلام بشموله وسمعت عن الشيخ محمد فوزي رحمه الله ثم قابلته.
رحم الله الشيخ محمد فوزي لقد ذكرتنا به والله. فما الذي لمسته من الشيخ محمد وما الذي أعجبك منه عندما التقيت به؟
كان رحمه الله يتسم بهدوء الطباع مع الذكاء وقد كنت أكثر الإخوة ارتباطا به فرأيته كثير الذكر لله تعالى عاملا بقول الرسول صلى الله عليه سلم (لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله) وكان لا يترك قيام الليل.
وكان إذا أراد أن ينبهني إلى طاعة معينة شكا لي من تقصيره هو فيها ، ولم يقابلني مرة إلا وسألني وتحدثنا عن طاعة الله وعما يجب أن يكون عليه الأخ المسلم من العبادة ولذلك كان لقاؤه دائما يجدد الإيمان ومن يصاحبه يتقدم في حاله مع الله.
وجدت نفسي
ما الذي كان يجذب شابا مثلك إلى الجماعة الإسلامية؟
بالنسبة لي أنا باختصار عندما التقيت بإخوة الجماعة وجدت نفسي ووجدت تحقيق ذاتي مع إخواني الشباب الذين حددوا لهم أهدافا بوضوح شديد.. ثم انهمكنا في تحقيقها بكل قوتنا في العمل والحركة والسفر.. وكل يوم ننجز جديدا في نشر الدعوة إلى الله أو الاعتكاف في المسجد أو مساعدة الفقراء والمحتاجين أو تعلم علم جديد أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر وغير ذلك.
وما هي القضية التي اعتقلت بسببها ؟
قضيتنا تسمى قضية البنوك وهذا مجرد اسم أطلق لتحريض الرأي العام والحقيقة أننا كنا مجموعة في السويس تدربنا على العمليات العسكرية.. ولكن تم القبض علينا قبل القيام بأي عمل.
فعلى أي اتهام إذا ً حكم عليك ب15 سنة ؟
حكم على بثلاث اتهامات الانتماء للجماعة، والاتفاق الجنائي، وإحراز عبوة متفجرة.
السـجـن بالنسـبة لي محـطـات
لقد قضيت 15 سنة في السجن ومرت والحمد لله.. فهل يمكن أن تلخص لنا تأثير هذه السنوات.. وما الفرق بينك قبلها وبعدها ؟
أول محطة كانت في البداية هي صدمة الحبس والتحقيقات والدخول في قضية كبيرة وكنت أول مرة أدخل السجون.
وفى هذه المحطة إخوة أفاضل لهم فضل على منهم الشيخ محمد بكرى من الأقصر هو الذي استقبلنا وثبتنا وساعدنا على تخطى هذه المرحلة.. وقد فهمنا في هذه المرحلة أن الدعاء يرد القضاء وأنه مهما كانت شدة الكرب المتوقع حسب أسباب الدنيا فإن طاعة الله تعالى والدعاء تهون الشدائد.. وتعلمنا أن من يتصبر يصبره الله وكان الشيخ محمد بكرى دائما يقولها .
فما هو أقوى رابط إيماني استعنت به على الثبات في هذه المرحلة العصيبة ؟!
تعلمت في هذه المرحلة أن “العبد في الشدة لابد أن تكون له طاعة بينه وبين ربه” لا يعلمها أحد يتوسل بها إلى الله.. ويستعين بها على الصبر والرضى.. وكان الصوم هو الذي يساعدني كثيرا لأنه ينقى النفس.
والمحطة الثانية ؟؟
المحطة الثانية محطة سجن الوادي الجديد المعروف ببعده ورعبه.. فقد تم ترحيلي إليه مع إخوة آخرين بعد افتتاحه.. وقد خرجت من هذه المحطة بشيئين:
أولهما نعمة القرآن فقد حفظنا القرآن فحفظنا الله حفظنا القرآن رغم منع المصحف وفى ظروف غاية الكرب والبلاء.
ومن الإخوة الذين لهم فضل على في هذه المحطة الشيخ رجب حسن فقد كان يعلمنا من القرآن والسنة رغم غياب الكتب وكان لهذا التعليم فضل عظيم في ثباتنا.
إذا ً يمكننا أن نقول أن الله ثبتكم بثلاثة أسباب.. فضل الله.. وفضل القرآن.. وفضل العلم وأهله؟
نعم ومن الإخوة الذين لا أنسى فضلهم في سجن الوادي الجديد الشيخ سيد الأسيوطي رحمه الله فقد سكنت معه وتعلمت منه أشياء كثيرة جدا ً.. منها أنه رغم مرضه الشديد إلا أنه كان لا يقصر في خدمة الإخوة.. لقد كان الشيخ سيد يكاد يموت ورغم ذلك يقوم على خدمة إخوانه.. وكان رحمة الله عليه حافظا للقرآن مواظبا على مراجعته.. وكان يصمم على الشيء ويعزم عليه بقوة.. وكان في الإدارة حاضرا طوال الوقت وفى كل المواقف.. وكان قراره سريعا وكان على عبادة رغم مرضه.. فلم أره ترك قيام الليل ليلة وكان لين الجانب.
وقبل أن يشتد عليه المرض قال لي: أنا أريدك في موضوع مهم.. ثم قال: أنا أرى في المنام أنني أطير على أنهار وأقف على جبال وأشرب من أنهار وأطير وأعود إليها وكان يريد أن يشعرني بدنو أجله رحمة الله عليه.
رحمة الله على الشيخ سيد وعلى كل إخواننا الذين فقدناهم في السجون.. لقد فارقونا في أشد أيام الكرب ونرجو أن يكونوا الآن في أتم عافية وأوسع رحمة في جوار ربهم.
وما المحطة الثالثة في رحلتك في السجون؟
المحطة الثالثة محطة المحاكمة.. وكانت جديدة علينا فهي محاكمة عسكرية وعددنا فيها كبير جدا وفيها نساء.. فكانت قضية كبيرة جدا وخطيرة ولكني كنت موقنا بأن رحمة الله تنزل على قدر البلاء.. وهذا ما تعلمناه من سنة الله معنا وفعلا تحقق ذلك يوم النطق بالحكم.. فرغم شدة الأحكام ما بين إعدام ومؤبد وأحكام على النساء إلا أن رحمة الله تنزلت على قلوبنا وكنا نبتسم رغم ذلك كله.
ومن رحمة الله أن هذه المحاكمة تمت في سنة 97 يعنى عام المبادرة، وقد أطلق بيان المبادرة من القفص أثناء محاكمتنا نحن وستظهر رحمة الله وحكمته في المحطة القادمة.
وهى محطة الحكم فقد أصبحت محكوما على ب15 سنة ولم أعد معتقلا يمكن الإفراج عنى في أي وقت.. وبعد الحكم غالبا تتغير أوضاع المسجون.. ويتم ترحيله وترحيله من سجنه ترحيلا ً صعبا ً بالتفتيش والتجريد والحلق والضرب.. ويستقبل في سجنه الجديد استقبالا بشعا مهينا ً كذلك بالتفتيش والتجريد من معظم متعلقاته والحلق والضرب الشديد الذي يوشك فيه الإنسان على الموت.
وقد كنت في سجن ليمان طرة فتم ترحيلنا إلى سجن شديد الحراسة بطرة.. وكان اسمه مفزعا وسمعته مرعبة.. ولكن من رحمة الله كما ذكرت أننا دخلناه بعد بيان المبادرة وبداية تهدئة الحرب علينا في السجون.
كلها محطات كئيبة محرقة مظلمة.. لكن هل كان لأي مرحلة أثر إيجابي عليك ؟
كل هذه المحطات في حياتي أعتبرها إيجابية لأني تعلمت منها كل محطة تعلمت منها شيئا غاليا في حياتي:
الصبر (ومن يتصبر يصبره الله).
الرحمة تنزل على قدر البلاء.
الجماعة المسلمة لابد أن تتعامل بالفضل مع العدل.. والفضل أوسع وأرقى وأعلى درجة من العدل.
هل هذا يعنى أن السجن بلاء.. ولكن له وجه آخر أو محنة لكنها لا تخلو من منحة؟!
نعم فقد تعلمت منه الكثير وكل إنسان يمكن أن يجد في البلاء منحا معينة مثل تقديره لنعم الله عليه فنعمة الشمس مثلا .. ونعمة الهواء لم نعرفها إلا عندما حرمنا منها وكذلك يتعلم الإنسان أن رحمة الله تنزل على قدر البلاء
المحطة الأخيرة محطة المبادرة فقد غيرت خط سير الأحداث وأوقف الله بها المذابح التي كانت دائرة في السجون.. وبدأنا ننتقل كل يوم إلى فرج جديد وسعة جديدة والحمد لله .
بالنسبة لقرار المبادرة هل توقفت عنده وفكرت فيه قبل الموافقة عليه ؟
أهم ما كان يشغلنا في موضوع المبادرة هو الشرعية وعندما خرجت الكتب الأربعة وقرأت بها الأدلة الشرعية استرحت للقرار فقد تربينا على ضرورة الانضباط بالشرع ؛ هذا بالإضافة إلى تربيتنا على حسن الظن والثقة في القيادة فقد أفادتنا هذه الثقة كثيرا في المرحلة الأولى بالذات للمبادرة.
فقد أشيعت شائعات كثيرة وقيلت أقاويل قبل أن يعرف أحد عن حقيقتها شيئا وقبل أن نلتقي بالمشايخ.. ولكن ثقتنا في القيادة جعلتنا نستطيع على الأقل أن نصبر حتى نتثبت ونسمع منهم قبل الحكم على المشروع والتقينا بهم والحمد لله صدق حسن ظننا وتحققت ثقتنا.
لقد تقلبت بك الأوضاع والفترات.. فما هي أفضل فترة من فترات السجون؟
أفضل فترة سواء في الضيق أو السعة أو في أي سجن وفى أي ظروف هي شهر رمضان.
إذا ً حدثنا عن رمضان في السجن …….
قبل رمضان يجرى الإخوة مسابقة في مراجعة القرآن وهى مسابقة لها نظام خاص لأن هدفها التشجيع على المراجعة ولذلك يكون التسابق فيها على أجزاء.. وعلى هذه الأجزاء درجات يحتفظ بها لتضاف على المجوع بعدا لمسابقة النهائية على القرآن كله.. وبذلك تبدأ روح القرآن وروحانيته والتنافس والهمة العالية من قبل رمضان كما يبدأ الإخوة في الإكثار من الصيام في شعبان.
وقبل رمضان نتشاور سويا حول برامجنا في رمضان وما الذي سيتغير في نظام حياتنا الجماعي في رمضان.. ونتفق على كل التفاصيل بحيث يأتي رمضان ونحن مستعدون له ونظام حياتنا يشجع على الاستفادة من الشهر لكريم ولا يوجد ما يعكر ذلك.
وفى رمضان نتفرغ للعبادة ويظهر اجتهاد الإخوة في الطاعة ونصلى القيام بخمسة أجزاء ونفطر جماعيا ويتنافس الإخوة في القيام بأعمال الخدمة وتجهيز الطعام.
وفى رمضان نستمتع جدا بازدياد الخير والإقبال على العبادة وعلى الفضائل والأخلاق الكريمة ونجد روحا طيبة وصفاء وسكينة تخيم على المكان.
ولنا في كل رمضان نفحة ربانية ننتظرها كل رمضان.. فلم يمر علينا رمضان إلا ويرسل الله تعالى إلينا رحمة خاصة ونوعا من الفرج والسعة واليسر حتى أصبحنا نتوقع وننتظر هذه المنحة كل عام.
مواقف تأثرت بها في السجون ……
وفاة أي أحد من الإخوة كانت تؤثر فينا جدا ً.. فوفاة الشيخ سيد الأسيوطي أثرت فينا.. وكذلك وفاة الأخ أحمد عبد المقصود أثرت فينا جدا ً.
وما الذي وجدته في الأخ أحمد عبد المقصود حتى أثرت فيك وفاته بدرجة كبيرة ؟!
كان طيب القلب جدا بريئا صافيا.. ولذلك كان قريبا من الجميع.. وكان ودودا يتودد هو إليك ويسعى للتعرف عليك في البداية ثم يبدأ هو بالسؤال عنك.. وكان متسامحا جدا رقيق القلب قريب الدمعة.. وكان يحب الإخوة جدا ويحزن عندما يمرض أحد أو يصيبه أي مكروه.. وقد حزنا عليه جدا لأن الموت خطفه من بيننا خطفا فجأة مرض وفجأة ارتفعت حرارته جدا وفجأة قالوا أحمد مات.
هل لهذه النوعية من الإخوة دور في تخفيف البلاء ؟!
طبعا فقد كان أحمد عبد المقصود يضفى على عنبرنا روح الأسرة الواحدة خصوصا وهو أصغرنا سنا ودخل السجن صغيرا ً فكان قريبا منا جميعا ً.. وكان كل من يراه يتعاطف معه ويحبه وكنا نشعر أن العنبر أسرة فيها الأب والأخ الأكبر والأخ الأصغر.. وكنا كلنا نعامل أحمد معاملة الأخ الأصغر بحب وعطف.. وكان هو ببراءة لا يتركك إذا رآك مهموما إلا ويحاول أن يخرجك من الهم ما استطاع رحمة الله على أحمد عبد المقصود.
بصراحة هو كان منة من الله على المكان الذي يعيش فيه ؛لقد رباه أهله ونحن الذين استمتعنا بثمرة تربيتهم.
على كل حال ألف مبروك و الحمد لله على السلامة أنت الآن في الحرية وها نحن معك في بيتك.. هل يمكنك أن تحدثنا عن آخر لحظات الحبس ولحظات خروجك من فرع السويس بعد أن قضيت أياما في انتظار إجراءات الإفراج؟
والدتي كانت تحضر يوميا ومعها الطعام وكل يوم تسألني عن الخروج وأقول لها: هانت.. وفى يوم الأربعاء اشتد قلقها وقالت لي: لقد تأخرت ولم تخرج للآن فما الحكاية؟! قلت لها: زيارة أوباما شاغله البلد كلها.. وأول ما تنتهي إن شاء الله سأكون عندك يعنى على الخميس أو الجمعة بالكثير بإذن الله.. سكتت وسلمت الأمر لله كعادتها وانصرفت ووصلت إلى البيت.. وفى ترتيبها أنها ستجيء إلى غدا فعليها أن تجهز لي ما تحضره كل يوم.. لكن ما إن دخلت البيت حتى وجدتني وراءها فقد نادوني فور انصرافها وقالوا لي: قرارك وصل مع السلامة.
وماذا فعلت والدتك عندما رأتك؟!
طبعا خطفتني إلى حضنها وأمسكت في بقوة و ظلت تبكى بكاء ً شديدا .
أول انطباع لك بعد الخروج !
شعور الناس حولي وفرحتهم لم أكن أتوقعها.. فقد بكى زملائي وبكى زملاء والدي أما عم سيد ( صديق والدي ) فقد حضنني واستمر يبكى ويقبل رأسي حوالي خمس دقائق.
محنتي لم تنته فمازال في السجن إخوة
وبعد أن خرجت بحمد الله ما هو البرنامج الذي تفكر في وضعه لحياتك أو على الأقل للأيام الأولى ؟!
طبعا سأنتظر فترة أعرف فيها الواقع حولي وبمعنى أصح أتفرج وفى هذه الفترة سأصل رحمي وأزور أقاربي ثم أبحث عن عمل حتى أؤدي حق أسرتي؛ ثم نحن لم نخرج كلنا فمازال هناك إخوة لنا وحقهم طبعا أن أفكر في أي شيء يخفف عنهم ويشعرهم أننا معهم.. فأنا لا أظن أن بخروجي انتهت المحنة بل مازالت محنة الإخوة قائمة فليس الجميل أن نكون معا في أول الطريق بل الجميل أن تكون معنا إلى آخره.. فليس من المروءة أن أولى ظهري فور الخروج لمن كنت معهم وهم الآن يحتاجون أن نكون معهم وأن يشعروا أننا لا ننساهم خصوصا كلما تطول عليهم الفترة….
يعنى في نظرك ما الذي ينتظره الأخ في السجن من أخيه خارج السجن ؟!
ينتظر منه أولا الدعاء له…..
وينتظر السؤال عنه ولو عن طريق أسرته …………
وينتظر المساعدة في قضاء مصالحه ومصالح أسرته..
فهو له مصالح خارج السجن فقد يحتاج التقديم الامتحان أو استخراج أوراق مثلا ً.. وأسرته قد تقف عاجزة عن المشي في بعض طلباته وطلباتها أيضا ً.. وقد لا تحتاج هذه الطلبات لأكثر من مشوار أو كلمة.. وعلى الأخ أن يتذكر حال أسرته عندما كان غائبا ًعنها.. وكيف كانت تحتار لأقل مشكلة.. فكذلك أسرة الأخ في السجن لها مشاكلها وطلباتها كأي أسرة.. وتزيد عليها هموم زيارة الوالد في السجن وهموم مصاريف هذه الزيارة والمواصلات.
وتخيل مثلا أسرة من الصعيد تحتاج لزيارة الوالد على فترات قريبة لأن الأولاد تكبر وتكبر مشاكلهم واحتياجاتهم.. فتحتاج الأم لمشاركة الأب لها في تربية الأولاد خصوصا بعد أن يكبروا وتضعف سيطرة الأم عليهم.. وبعض هذه الأسر اضطرت للانتقال بجوار الوالد والسكن في القاهرة وترك بلادهم وأقاربهم.
فتخيل الأعباء المادية والمعنوية لهذه الأسرة بعد أن انفصلت عن أقاربها في الصعيد.. وعاشت في الغربة بكل معانيها ربنا يكون في عون الأسر فكم تحتاج الأسرة المكونة من أربعة أفراد اليوم ؟!!
لكن الأخ الذي يخرج من السجن له مشاغله ومشاكله كذلك ؟
هذا صحيح والإخوة في السجن يقدرون ذلك ويدعون للإخوة كثيرا ً ولكن لا يعجز الأخ عن أي وسيلة يشعر بها أخوه ورفيقه الذي كان معه.. أننا كنا معا ومازلنا معا لأن الشعور بأننا افترقنا بلا سؤال ولا سلام شعور قاس جدا.
الأخ في السجن يحتاج أن يسأل عنه أخوه مجرد سؤال؛ لأنه هو يسأل أهله في كل زيارة عن إخوانه الذين كانوا معه وعندما يسمع أن فلانا سأل ابنه كيف حال والدك؟ يفرح جدا ً.. “نحن عشنا المحن حتى نشعر بشعور أهلها فإذا انفصلنا بشعورنا عنهم فما فائدة التجربة وثمنها ؟!”.
وكيف تعيش أسر ة الأخ الذي في السجن حاليا ؟؟
أسر الإخوة تعيش برحمة الله ولطفه وربنا رزقهم القناعة والبركة في القليل ولذلك لو قارنت حال أي أسرة من أسر الإخوة في السجن بالأسر الفقيرة خارج السجن ستجد أسرة الأخ لا تملك شيئا ً.
وقد تستغرب كيف تعيش هذه الأسرة بهذه الإمكانيات المنعدمة وكثير من الأسر لا تملك ثمن العلاج لأبنائها.. وعندما يمرض أحد الأبناء تصبح مشكلة كبيرة جدا لأن الإنفاق على العلاج سيؤثر على احتياجات أخرى.. مثل الإيجارات وزيارة الأخ بل على طعام الأسرة وملابسها .
وما الذي تنوى أن تقدمه للإخوة في السجن بإذن الله ؟!
أقدم لهم كل ما أستطيعه وكل أخ له طلب أسال الله أن يوفقني لتلبية طلبه وأي مصالح سأقضيها لهم مادامت في استطاعتي ……
مادامت في استطاعتك ؟
ولو فوق استطاعتي وأستطيع أن أستعين بآخرين سأستعين بإذن الله
في نهاية حوارنا نحمد الله تعالى على سلامتك وعلى خروجك بيننا ونسأل الله أن يتم عليك النعمة.. وأن يبارك لك في خروجك هذا.. وألف مبروك