بقلم: الأستاذ سيد فرج

رفع حالة الطوارئ في مصر.. هل هو تدشين لمرحلة سياسية جديدة؟ أم ماذا؟
عقب الإعلان المفاجئ، برفع حالة الطوارئ تابعنا حالة من ردود الأفعال المتباينة، أحدها أقصى اليمين، والآخر أقصى الشمال.
فالاتجاه الأول: دعا لتجاهل القرار، وأفرغه من كل دلالة له، سواء سلبية أو ايجابية.
وذهب أصحاب هذا الاتجاه، إلى أن القرار صدر بضغوط أمريكية، كما ذهبوا إلى أن قرار إنهاء حالة الطوارئ، ليس له أي أثر إيجابي على أرض الواقع.
وأنا لا اتفق مع دعوة أصحاب هذا الاتجاه، فلا يجدر بمن هو مهتم بالشأن المصري، تجاهل هذا القرار الهام، فلابد من الاهتمام بهذا القرار، وأمثاله، وتناوله بالدراسة، والبحث، ومحاولة التوصل لآثاره، ومعرفة دلالاته، ووضع تصور للتعاطي معه بصورة ترجع بالنفع، على الدولة المصرية، ومكوناتها، ومستقبلها، وحاضرها.
كما أنني لا اتفق مع أصحاب هذا الاتجاه، فيما ذهبوا إليه، بأن هذا القرار صدر نتيجة لضغوط الإدارة الأمريكية، لأنه لم تصدر أي مؤشرات لهذه الضغوط في هذا الاتجاه، كما لو أن هناك ضغوط أمريكية (حقيقية) في ملف حقوق الإنسان، وتحقيق الديمقراطية، لتم الاستجابة للإدارة الأمريكية، بالإفراج عن المحبوسين في السجون المصرية من حاملي الجنسية أمريكية.
وهنا يرد سؤال هام، وهو:
ألا تمارس الإدارة الأمريكية، ضغوطا لرفع حالة الطوارئ، وتحسين حقوق الإنسان، وتحقيق الديمقراطية؟
في رأيي، بالتأكيد لا تمارس ضغوط (حقيقية ذات أهداف أخلاقية) في هذه الملفات لتحقيقها، ولكنها تضغط لكي تستغل الأزمة في هذه الملفات، لكي تمارس ابتزازا للأنظمة في المنطقة، لتحقيق مصالح أخرى لها، فلا تمارس ضغوط لكي تكون مصر واحة من الديمقراطية، أو جنة لحقوق الإنسان.
ولو سلمنا بأن إنهاء حالة الطوارئ، جاء بضغوط أمريكية، إذن فيمكن الذهاب إلى أن هذا القرار يأتي في إطار استراتيجية متكاملة، لتحسين الحالة الحقوقية، والسياسية، والديمقراطية، بشكل كامل، وهذا يعني أن مصر سوف تشهد في المرحلة القادمة، قفزات إلى الأمام في اتجاه، تفريغ السجون من السياسيين، وتحقيق المشاركة السياسية، واحترام كامل لحقوق الإنسان ((وهذا خلاف ما يذهب إليه أصحاب هذا الاتجاه)) ((وإن كان هذا ما أتمنى أن ينعم به كل مصري))
كما أنني لا اتفق مع أصحاب هذا الاتجاه، بأن هذا القرار ليس له أي أثر على أرض الواقع، ففي _وجهة نظري _أن هذا استباق للأحدث، فقد يكون له آثار إيجابية كثيرة، أو محدودة، أو لا يكون، وفي النهاية أنها تحليلات قد توافق الواقع أو تنافيه.
الاتجاه الثاني: وهو الذي يذهب إلى القول بأن هذا القرار دليلا على أننا نعيش في مصر، حالة سياسية، وحقوقية متميزة، لا مطالب للمصريين في هذا الإطار، من حيث إتاحة المشاركة السياسية، والتمتع بالحقوق، والحريات الأساسية، لكل المواطنين، بلا استثناء، كحرية التعبير، والتظاهر، والترشح، وتأسيس الأحزاب، والسماح للأحزاب المؤيدة للسلطة والمعارضة لها بممارسة الأنشطة القانونية، وإجراء انتخابات المحليات، وغير ذلك من الحقوق.
والحقيقة: أنني لا أتفق مع أصحاب هذا الاتجاه، فالقرار في حد ذاته، دليل على أننا أنهينا مرحلة استثنائية ونبدأ مرحلة جديدة أخرى، قد يتحقق فيها كل أو بعض ما قيل من قبل من حقوق وحريات نتمنى ونطالب بأن يتمتع بها كل مصري بصرف النظر عن لونه، أو جنسه، أو دينه، أو اختياراته السياسية، أو انتماءاته الفكرية، أو الوظيفية، أو المهنية.
أما ما أراه واتصوره في هذا القرار ما يلي:
أن القرار مفاجئ، غير متوقع، فكل المتابعين في الداخل والخارج، لم يتوقعوا ذلك القرار، ولم تكن هناك أي تلميحات خارجة بأن هناك ضغط في هذا الاتجاه (هذا ما يظهر حتى الآن من المتابعة)
أنه من الجيد لكل من غضب أو انتقد فرض حالة الطوارئ، أن يستبشر أو يثني على إنهائها، أو يصمت ولا يهون منها، وإلا فلماذا انتقد أو غضب من فرضها؟ فكثير من المواطنين داخل مصر، متضررين من فرض حالة الطوارئ هذه.
أن هذا القرار جيد لأنه يخفف كثير من إجراءات التي تقيد كثير من حريات وحقوق المواطن المصري.
أن هذا القرار يؤكد أن مصر تشهد في كل ربوعها استقرارا أمنيا، وأنه لا يوجد خطر أمنى تراه السلطة، وهذا يستدعي فتح أبواب مغلقة من الحقوق والحريات.
لذلك:
أتمنى أن هذا القرار، يكون بداية يبنى عليها، أو إجراء تمهيدي لخطوات أكبر، من الحقوق والحريات.
أتمنى أن يكون هذا القرار في إطار تفعيل حقيقي للاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان.
أتمنى أن يتبع هذا القرار إنهاء ملف السجناء السياسيين بتفعيل العفو المشروط والعام عنهم، ولو بشكل تدريجي ودوري مع تحسين ظروف حبسهم.
أتمنى أن يتبع هذا القرار، فتح باب العمل العام والمشاركة السياسية.
أتمنى أن يتبع هذا القرار، قرار بفتح حوار مجتمعي لتفعيل مصالحة مجتمعية (وليست سياسية مع فصيل أو حزب) لكي نبدأ مرحلة جديدة لبناء الوطن يشارك فيها كل أبناءه بلا إقصاء.
وفي الختام:
أسأل الله تعالى أن ننعم وينعم كل مصري بوطن مستقر متقدم، ينال فيه كل الحقوق والحريات كأي مواطن في أي بلد متقدم متطور، لكي نحافظ عليه جميعا ونشارك في بنائه ونهضته.