بقلم: الأستاذ عصمت الصاوي
تتطور المشروعات الاستعمارية للمنطقة العربية والإسلامية جيلا بعد جيل حتي وصلت ذروتها من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلي إعادة صياغة المنطقة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحضاريا وإعادة ترتيبها أمنيا وعسكريا لخدمة الأهداف والمصالح الغربية والصهيوأمريكية في المنطقة والعالم، وكان معوقان أساسيان يعرقلان دوما التقدم في المشروع بخطي متسارعة، أولهما فكرة الأمة الواحدة الجامعة للعالم العربي والإسلامي وثانيهما الإسلام ذاته.
ففكرة الأمة الجامعة هي التي جعلت المدينة المنورة تُسأل عن هموم العراق ” لو عثرت بغلة في العراق لسئل عنها عمر ” وهي التي سهلت لقطز مصر أن يواجه المغول علي حدود الشام ، وهي التي جعلت السعودية تمنع النفط عن الغرب تضامنا مع مصر في حرب أكتوبر ، وهي التي جعلت الجزائر تساهم بسلاحها الجوي في ذات المعركة ، وهي التي دفعت المجاهدين العرب الي المساهمة في تحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي ، ودفعت الشباب العربي الي مواجهة الصرب في البوسنة والهرسك وغيرها وغيرها ، تلك الفكرة التي استطاعت أن تحكم العالم طوال ألف سنة أو يزيد عبر الدول الإسلامية المتعاقبة.
ففكرة الأمة إذن تقف دوما حائلا دون تسريع وتيرة المخططات السوداء التي تريد تفتيت الأمة علي أسس عرقية وطائفية، ولذا طفت علي السطح المحاولات المستديمة للقضاء علي تلك الفكرة وحرفها عن مسارها.
أما المعوق الأخر فهو الإسلام ذاته فهو السد المنيع أمام المخططات السوداء والمعرقل الأساسي أمام محاولات التغيير الثقافي والحضاري والهوياتي للدول العربية والإسلامية، فضلا أن الغرب يوظف التنظيمات المتشددة كداعش وغيرها لخدمة مشروعاته الاستعمارية وكذريعة لإحلال الإسلام العلماني وفق زعمه بديلا عن الإسلام الوسطي.
الأزهر الشريف في قلب المخططات السوداء.
الأزهر الشريف يمثل كلا التهديدين المعوقين للمشروعات الاستعمارية، فهو بمثابة جهاز المناعة الداخلي للمجتمع المصري لما له من دور هائل في الحفاظ علي السلام الاجتماعي والأمن القومي كما يمنع بفكره الوسطي المعتدل الانزلاق في مستنقع الفتنة الطائفية البغيضة وهو ما يتعارض مع المخططات التي تستهدف السلام الداخلي والتماسك المجتمعي في مصر وتدفع في اتجاه إسقاطها في مستنقع الفوضى والحرب الأهلية إذ بسقوط مصر أو ضعفها يتلاشى الأمل في النهوض الأممي من جديد.
أما البعد الأخر الذي يمثله الأزهر، فهو الإسلام ذاته ليس في مصر فقط وإنما في العالم كله ، فالأزهر الشريف هو أكثر الجهات الدينية المتماسكة الموثوق بها وبعلمائها والتي يمكنها أداء دورها بكل كفاءة واقتدار من خلال مؤسساته الدعوية حول العالم ومن خلال مخزونه الضخم المتجدد من العلماء الموثقين داخليا وخارجيا ، والأزهر الشريف وفق هذا المفهوم يُعد من أهم المعوقات أمام مشروعات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الكبير الذي يستهدف حضارات الشعوب ومخزونها الفكري والثقافي والاجتماعي ، فإن كان الأزهر حارسا علي هذه الموروثات الحضارية ومعوقا لتغيير هوية الشعوب وتغييبها ، فإن استهدافه وهدم رموزه وتشويه وجهه وتمرير المشروعات الشيطانية من خلاله يعد أحد أهم أولويات المشروعات الصهيوأمريكية التي تستهدف إغراق العالم العربي والإسلامي في فوضتهم الخلاقة.
وعلي ضوء ما تقدم يمكننا أن نفهم صراع الأفاعي وهجمتهم الشرسة علي الأزهر الشريف وعلمائه ومن يقف خلفهم ومن يمولهم، فلا يكاد يختفي أحد الراقصين علي جثمان الوطن حتي يتم الزج بمأجور أخر يتطاول علي صحيح الدين ومؤسساته العريقة وفق حملة ممنهجة لم تعد تخجل من علانية العمالة والإجرام في حق الدين والوطن والأمة كلها، والأعجب أن يتم ذلك وسط صمت رسمي مريب يتجاهل الأمن القومي للبلاد ويغض الطرف عن المخاطر الهائلة المترتبة علي ضياع الأزهر وإسقاط مرجعيته.