القائمة إغلاق

على الصفا البداية… وعلى عرفات الختام

بقلم: فضيلة الشيخ علي الديناري

هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف على الصفا لينذر قومه يعلم أنه سيعود يوما ما الى الصفا ومعه الألوف المؤلفة؟

وحين كانوا يمنعونه من الطواف بالكعبة ويرمونه بأنظارهم ويسخرون منه هل كان يعلم انه سيعود في يوم فتح عظيم ليطوف بالبيت في عز ومنعة ويكسر الأصنام ويعفو عمن يشاء ويهدر دم من يشاء

لا ندري

لكن حتما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقن انه على حق وأن العاقبة للحق لامحالة..

ولم يكن بلال رضي الله عنه يعلم وهو يصرخ في رمضاء مكة أحدٌ أحدٌ أنه عائد في يوم عزيز ليرفع صوته بالأذان على ظهر الكعبة؟

كما لم يكن عليٌ رضي الله عنه يعلم حين أخذوه الى الكعبة ليعذبوه فيها أنه يوما ما سيتسلم مفتاح هذه الكعبة.

كان اليقين راسخا في قلب النبي صلى الله علي وسلم كالجبال فقد كان القرآن ينزل عليه (فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)) (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُون)

ومن يقينه الراسخ أفاض على أصحابه يقينا فقد قال لهم حين شكوا له (والذي نفسي بيده ليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخشى إلا اللهَ والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)

وبهذا اليقين الراسخ بدأ زحف الحق.

وبهذا اليقين استمر الى أن زهق الباطل.

فكيف كانت هذه المسيرة وهذا الزحف؟

ماهي طبيعته؟ وكيف زهق الباطل؟

المؤكد أنها لم تكن ضربة واحدة وقضي الأمر.

ولا كانت معجزة خارقة تحسم الصراع؛ لكنه استمر في سنوات طوال بدأت عجافا شديدة.

تعذيب وتشريد، تنكيل واضطهاد، وكيد مكر، كروب ومحن وابتلاءات.

سنوات طوال مضى فيها من مضى الى دار الخلود والفرج الأكبر وقضى نحبه دون أن يرى للنصر أي بشائر.

سنوات والحال كما هو لا يتغير إلا يسرا، والإسلام لا يدخله إلا ضعيف أو مستضعف أو عبد أو امرأة إلا نادرا.

سنوات لا يرون فيها للنصر أي علامات إلا ما يتلونه من آيات الله أو ما يسمعونه من حديث رسول الله وقد كان ذلك يكفيهم .. نعم كان يكفيهم.

سنوات يُعتدىَ عليهم ولا يأذن لهم رسول الله برد العدوان.. ثم جاءت سنوات استراح فيها المؤمنون من التعذيب لتبدأ جولات من الجهاد المضنية.. صبر ومشقة، بذل وتضحية، قتل وأسر، ترك الزروع وانفاق الأموال، وفجيعة الأمهات وترمل الزوجات، ويتم الأطفال.

وكانت الجولات سجالا.. لهم وعليهم.. كرٌ وفر، عسر ويسر، كرب وفرج، انكسار وانتصار؛

والجولات تمتد، والصراع يتطور،

 وكل انتصار له ثمن قبله وتبعات بعده،

 وفي كل جولة يمضي من يمضي ويبقى ثابتا من يبقى، ويسقط من يسقط، وينافق من ينافق.

ثم جاء يوم الفتح الأعظم ….

جاء الفتح ليأتي مستكبرو الأمس يطلبون العفو اليوم،

وليعلو بلالٌ الكعبة ليرفع الأذان،

وليتسلم عليٌ مفتاح الكعبة،

وليطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت عزيزا ويكسر الطواغيت التي تعبد من دون الله،

 وليهدر دما ء العتاة المتكبرين ولو كانوا معلقين بأستار الكعبة، وليمن على الضعفاء الذين جاءوا أذلاء لاحس لهم ولا حركة.

ثم جاءت حجة الوداع ليقف النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا.

انه نفس الجبل الذي وقف عليه يوما وحيدا يقال له: تبا لك

ها هو اليوم يقول “خذوا عني مناسككم” تتزاحم حوله ألوف مؤلفة تنتظر إشارته وترقب حركته لتتقرب الى الله بطاعته وامتثال أوامره.

ويقف النبي صلى الله عليه وسلم على عرفات ليخطب في العالم خطبة الوداع ويقول0(ألا إن ن كل أمر من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع) وينزل الحق سبحانه قوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)

هكذا كانت على الصفا البداية وحيدا مُكذَّبا وعلى عرفات الختام إماما مُطاعاً

ونعود فنسأل: هل كان بلال رضي الله عنه يعلم حين كان يعذب في رمضاء مكة انه سيؤذن فوق الكعبة؟

أم أن القدر كان يخبئ له أعظم مما يرجو؟ ويدخر له مالم يكن ليدور بحسبانه؟

فتُرى ماذا يخبئ القدر للقابضين على الجمر الغرباء في ديارهم في كل بلاد الإسلام؟

التعليقات

موضوعات ذات صلة