القائمة إغلاق

شيخ الإسلام.. وإن رغمت أنوف!!

بقلم: د. أحمد زكريا عبد اللطيف

لا يمل أعداء الإسلام من الطعن في الإسلام، وما المحاولات المستميتة قديما وحديثا لتشويه رموز الإسلام، والطعن في ثوابته بداية من محاولة بعض السفهاء حذف أو تحريف بعض آيات الكتاب التي تتحدث عن الجهاد، أو كفر النصارى واليهود، مرورا بحملات الطعن في الرسول الكريم وأصحابه العظام، وصولا للطعن في الأزهر ومحاولة تقزيمه، وإلغاء دوره في حياة المسلمين، والتنقص المتعمد من شيوخه إلا حلقة من مسلسل هابط ينفق عليه أعداء الملة الملايين من قوت هذا الشعب المسكين، الذي لايجد ما يسد جوعه، ولا يعالج مرضه!

والحملة التي يشنها العلمانيون وكارهو الدين على شيخ الإسلام ابن تيمية، لن تزيدنا إلا تمسكا بديننا، ومطالبة بتطبيق شريعتنا وإن رغمت أنوف!

ولعل الله أراد رفع شأنه وانتشار صيته عند كل الناس فسخر هؤلاء الأغبياء للحديث عنه، ورحم الله من قال :

وإذا أراد الـلـه نشــر فـضـيلـة *** طـُويـت أتـاح لهـا لسـان حسـود

لولا اشتعال النار فيما جاورت *** ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود

إنَّ الشيخَ تقيَّ الدين ابنَ تيمية أحدُ علماء الأمة المعروفين الذين شهد له بالتقدُّم في العلوم أئمَّةُ عصره، معترفين له بسعة علمه وزهده وشجاعته وقيامه في نصرة الإسلام والدعوة إلى الله تعالى، وقد كان محبوبًا لدى عامة الناس، وكان له محبُّون من الأمراء والعلماء والتجار والكبراء، حتى ذكر المؤرِّخون أنه اجتمع في جنازته عددٌ لا يوصف من الخلق، وقد ترجم له العديدُ من علماء عصره تراجم زاهية، كالحافظ البرزالي والذهبي وابن كثير وابن عبد الهادي وابن الوردي ومحمد بن إبراهيم الجزري وغيرهم، وكلُّها كتب مطبوعةٌ لرجالٍ عاصروا الشيخ وعرفوا علمه وفضله وزهده – رحمه الله -، وقد اجتمع على الثناء عليه غير واحد من علماء المذاهب الأربعة من معاصريه ومن بعدهم.

فمن علماء الحنفية الذين أثنوا على ابن تيمية: العلامة زين الدين عبد الرحمن التَفَهْنِي الذي انتهت إليه رياسة المذهب الحنفي في عصره حيث قال مثنيًا عليه: “كان عالما متفنِّنا متقلِّلاً من الدنيا، معرضًا عنها، متمكِّنًا من إقامة الأدلة على الخصوم، حافظًا للسنة، عارفًا بطرقها، عالمًا بالأصلين: أصول الدين وأصول الفقه …”.

والعلامة شمس الدين محمد بن عثمان الحنفي ابن الحريري قاضي قضاة مصر والشام حيث قال: “إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن؟”!

ومن علماء المالكية: العلامة الفقيه شمس الدين البساطي المالكي قاضي المالكية في الديار المصرية حيث قال: “إن إمامة الشيخ تقي الدين ابن تيمية في العلم مما لا يحتاج إلى الاستدلال عليه، لحصول العلم الضروري عن الأخبار المتواترة بذلك”.

ومن علماء الشافعية: تلميذه الحافظ الذهبي حيث قال عنه: “كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزهاد الأفراد، والشجعان الكبار، والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف، وسارت بتصانيفه الركبان”.

والعلامة كمال الدين ابن الزملكاني شيخ الشافعية في زمانه من معاصري الشيخ تقي الدين حيث قال: “كانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء، ولا يُعرَف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها”.

ومن علماء الحنابلة: الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الهادي المقدسي حيث قال في ترجمته لابن تيمية: “هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، وبحر العلوم، سيد الحفاظ، وفارس المعاني والألفاظ” إلخ.

إلى آخر عبارات المدح والثناء التي أطلقها العلماء في حقِّ ابن تيمية رحمهم الله جميعا.

فشيخُ الإسلام ابن تيمية عالمٌ من علماء المسلمين الأفذاذ الذين أبلوا بلاءً مشهودًا في خدمة الإسلام ونصرته، وهو كغيره من العلماء يصيب ويخطئ ويُؤخذ من قوله ويُترك، كما قال الإمام مالكٌ رحمه الله: “كلٌّ يؤخذ من قوله ويُترك إلا صاحب هذا القبر” وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من حقوقه وحقوق إخونه العلماء علينا: الدفاع عنهم ضد من يتجنى عليهم أو يريد تشويههم أو يتهمهم بما ليس فيهم، وإذا كان الدفاع عن عرض آحاد المسلمين من الأعمال المنجيات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رَدَّ عن عرض أخيه رَدَّ الله عن وجهه النَّار يوم القيامة» فكيف بأعراض العلماء والأئمة؟ ولئن كان التعصُّب للرجال مذمومًا فإنَّ الدفاع عن أهل العلم بالحق وبيان منهجهم الوسطي المعتدل وسيرتهم المشرقة من القربات .

وإنَّ النَّاظر في الواقع يجدُ عمق أثر كتابات شيخ الإسلام ابن تيمية في المجتمعات الإسلامية من القرن الثامن الهجري وإلى الآن في تأكيد القضايا التي تحافظ على الأمة الإسلامية وتصونها، والتي منها:

  1. الدعوة إلى الاعتصام بالمنهج النبوي وما كان عليه الصحابة الكرام وأصحاب القرون المفضَّلة، والبعد عن الخلاف والشقاق.
  2. الدعوة إلى الأصول التي دعا إليها الأئمة الأربعة من العناية بالاتباع وترك التعصب المؤدي إلى التنازع والافتراق.
  3. تقرير وسطية أهل السنة والجماعة في مسائل الاعتقاد سيما فيما يتعلق منها بصفات الله تعالى من إمرارها كما جاءت والإمساك عن تحريفها وتعطيلها.
  4. الدعوة إلى احترام الصحابة والمحافظة على مكانتهم وأعراضهم.
  5. التحذير من ظاهرة الغلو والتكفير.
  6. التصدي للمذاهب والحركات الهدامة التي تفسد الدين والدول الإسلامية وتمهد للاستعمار من مثل الحركات الباطنية والمذاهب الحلولية وغيرها.
  7. مواجهة الغزو الديني والثقافي من مثل التصدي للتنصير، والردُّ على الكتب التي أُلِّفت ضد الإسلامِ والقرآنِ الكريمِ والنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
  8. التفاني في الدعوة إلى الله، والتجرد عن الأغراض والأطماع الشخصية .
  9. الحرص على نشر الإسلام وإظهار صفائه ونقائه، حتى أسلم على يدي الشيخ بذلك جماعةٌ من أهل الكتاب.

رحم الله شيخ الإسلام، ورفع قدره، وأخزى شانئيه!

التعليقات

موضوعات ذات صلة