القائمة إغلاق

سلسلة التعريف بالدكتور عمر عبد الرحمن – من 1 إلى 7 – بقلم: د. عبد الله عمر

بقلم: د. عبد الله عمر عبد الرحمن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد،

فبداية حيا الله إخواني وأخواتي الكرام، وإنني – بمشيئة الله تعالى – أحاول جادّا وجاهدا أن أكتب يوميا فقرة صغيرة من مواقف الشيخ الدكتور / عمر عبد الرحمن – رحمه الله – إما مواقف تاريخية، أو بطولية، أو إنسانية، أو ما تعرض له من محن في السجون والمعتقلات، أو مأثورات له، حتى يظل الشيخ عمر – رحمه الله – في خضم هذه اﻷحداث الهائلة والأخبار الكثيرة بيننا، وحتى يتذكره الأخوة الكرام والأخوات الفضليات بالدعاء له دائما.

وسأبدأ – بمشيئة الله تعالى – بالتعريف عنه.

الحلقة (1):

التعريف بالدكتور / عمر عبد الرحمن: “نابغة عصره”:

بداية أبدأ بتعريف موجز له: لقد ولد الشيخ عمر عبد الرحمن في ٣ / ٥ / ١٩٣٨ م، في قرية الجمالية – مركز المنزلة – محافظة الدقهلية – وكان مبصرا، وبعد 10 أشهر من ولادته فقد بصره بسبب إهمال طبي، فكانت نقطة تحول للأسرة التي يغلب عليها التجارة، فاهتم والديه بتحفيظه للقرآن الكريم، وقد حفظه كاملا قبل دخوله المرحلة الابتدائية، وكان خاله الشيخ “حسني” – رحمه الله – بمثابة العين له في حفظ القرآن الكريم  وطلب العلم، ثم دخل المرحلة الابتدائية، وكان ترتيبه الثاني على الجمهورية، ثم دخل بعدها المرحلة الثانوية – (لم يوجد في عصره ما يسمى بالمرحلة الإعدادية) – وكان ترتيبه فيها الأول علی الجمهورية – وصافحه عبدالناصر في عيد العلم، – قبل أن يكون الشيخ معارضا له – وكان مما يتميز به الشيخ عن أقرانه: أنه كان يقوم بمذاكرة دروسه جيدا، وفي كثير من الأحيان كان يقوم الشيخ بشرح الدروس مكان اﻷستاذ، بل لكثرة اطلاعه من كتب غير الكتب اﻷزهرية كان الشيخ يتحدی اﻷساتذة، ويسألهم أسئلة تَحدٍّ وتعجيز، ثم دخل بعد ذلك كلية أصول الدين شعبة التفسير وعلوم القرآن، وكان ترتيبه اﻷول علی دفعته، وعلى الرغم من ذلك لم يعين في أول اﻷمر معيدا بالكلية، ثم حصل الشيخ علی الماجستير، ثم الدكتوراه بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف اﻷولی، في “خمس مجلدات”، بعنوان: “موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة”، وهناك قاعدة تقول: “أن الوصول للقمة سهل، أما المحافظة عليها فصعبة المنال”، وهذا ما حققه العالم اﻷزهري المجاهد فضيلة الدكتور / عمر عبد الرحمن – رحمه الله -.. ولكن السؤال: لماذا لم يتم تعيين الشيخ معيدا في الكلية على الرغم من أنه كان الأول على دفعته؟ هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.

الحلقة (2):

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول.. أما بعد:

بداية اكتساب الدكتور/ عمر عبد الرحمن لشعبيته الجارفة:

أكمل حديثي عن التعريف بالدكتور / عمر عبد الرحمن: بعد أن فرغ الشيخ من التخرج من جامعة الأزهر الشريف “كلية أصول الدين”، عين إماما وخطيبا في أول حياته بقرية تسمی “فيدمين” بمحافظة الفيوم، قبل أن يعين معيدا بالكلية – حيث أن الكلية بداية لم تطلب معيدين وقتها – ومما زاد الأمر تعقيدا أن الجهات الأمنية فيما بعد علموا خطورته عليهم، وهذا سيتضح جليا حينما نتعرف عن كيفية تأثير الشيخ في مجتمعه.. لقد بدأ الشيخ يخطب في الناس، ويعطيهم بعض الدروس والمحاضرات خلال الأسبوع، وكان مما يميز الشيخ عن باقي إخوانه في الدعوة، أنه كان يتأمل جيدا حال المجتمع الذي يعيش فيه، وهمومه، والسلبيات التي تتفشى فيه، فمثلا: لقد وجد الشيخ في هذه القرية أن غالبية سكانها كانوا يكثرون من الحلف بالطلاق، فبدأ يعالج الشيخ هذه اﻵفة، حتى قضى عليها تماما من هذا المجتمع، بفضل الله تعالى، ثم جهود هذا العالم اﻷزهري المجاهد، وبعد أن أصبح للشيخ شعبية جارفة في هذه القرية، وبدأت القرية تتكالب للحضور لسماع خطبة الجمعة من الدكتور / عمر عبد الرحمن، قلق اﻷمن كثيرا في – عهد عبدالناصر – من ذلك التجمع، وهذا الالتفاف، فقرروا علی الفور نقله لمحافظة الفيوم، علی اعتبار أن المحافظة كبيرة، وأن القرية محدودة، وأن الشيخ سيختفي صيته بين الناس، وتندثر شعبيته.. والسؤال: هل نجح الأمن في مراده وما خطط له في تحجيم شعبية الدكتور / عمر عبد الرحمن؟ هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى

الحلقة (3):

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:

عالم أزهري صادع بالحق:

لقد نقل الشيخ من قرية فيدمين الصغيرة بالفيوم إلی المحافظة نفسها، للعمل علی عدم التفاف الناس حوله، وهم لا يدرون – أي الجهات اﻷمنية – أنهم يسعون علی انتشار فكره، واتساع دعوته من حيث لا يعلمون، بدأ الشيخ دعوته في الفيوم وكان في مقتبل العمر، أي في العشرينيات من عمره، وبدأ يتناول في خطبه نقد الدولة وإظهار ما في المجتمع من مفاسد ومعاداة لدين الله، وكان الشيخ إذا ما تناول شيئا من قصة فرعون ربطها بواقع اﻷمة، ومن ثم فهم الحاضرون جميعا أن ذلك يقصد به عبد الناصر، وما أدراك ما عبد الناصر في زمانه وجماهيريته، فهو بمثابة زعيم للمنطقة العربية، فتأمل: جرأة هذا الشيخ الضرير الصغير في مواجهة أعتی اﻷنظمة آنذاك جبروتا وشعبية، وكان علی أثر كثرة نقده للنظام، أن كثر استدعائه أمنيا، ثم فوجئ في عام 1969 أن تم استدعائه إلی إدارة اﻷزهر.. وهنا كانت المفاجئة! وهذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.

الحلقة (4):

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد،

الدكتور/ عمر عبد الرحمن ومحاربة إدارة اﻷزهر له :

لقد تم استدعاء الشيخ من قبل إدارة اﻷزهر، والتقی باﻷمين العام للأزهر، وكانت المفاجئة: أن أخبره أنه قد أحيل إلی الاستيداع: وهي عقوبة عسكرية في المقام اﻷول ولكنها لغرض الشيخ انتقلت للجهات المدنية.. وبمقتضاها يترك اﻹنسان عمله، ويجلس في بيته يتقاضى راتبه لمدة 3 شهور، ثم بعدها يأخذ نصف المرتب لمدة سنة أو اثنتين، ثم بعد ذلك يقررون، إما أن يعاد، وإما أن يفصل، وكان راتب الشيخ الذي يأخذه هو أحد عشر جنيها ونصف، يدفع منها إيجار السكن خمسة جنيهات ونصف، ويتبقی له ولأُمِّه التي كانت تعيش معه 6 جنيهات.. وبعد 6 أشهر من الاستيداع أخبروه أنه قد رفعت عنه تلك العقوبة، بمعنى: أن راتبه قد عاد، وكان ذلك في أواخر 1969، وكان حديث عهد بانتقاله من إمام وخطيب إلى معيد بالكلية، ولكن سرعان ما تم تحويله من معيد بكلية أصول الدين إلی إدارة اﻷزهر بدون عمل، فكانت فرصة للشيخ استفاد منها أيم استفادة، وهو التفرغ للدعوة إلی الله، والخطب في المساجد المختلفة بقری الفيوم متطوعا، معلنا عن مكانه تارة، ومستخفيا تارات أخرى، واستمر الحال كذلك لمدة عام تقريبا، إلی أن تم اعتقاله اﻷول في 13 أكتوبر عام 1970م، وهنا السؤال المهم: لماذا تم اعتقال الشيخ عمر عبدالرحمن؟  هذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.

الحلقة (5):  

الدكتور/ عمر عبد الرحمن وأول اعتقال له:                      

لقد  كان أول اعتقال للشيخ / عمر عبد الرحمن في 13 أكتوبر عام 1970 م، وكان الرئيس/ عبد الناصر  قد هلك في سبتمبر سنة 1970، وكان سبب هذا الاعتقال: أن وقف الدكتور/ عمر عبدالرحمن على المنبر، وقال: لا تجوز الصلاة على عبد الناصر، ومنع الناس من الصلاة عليه، وكان في وقتها صدر مرسوما من وزارة الأوقاف يلزم جميع أئمة الأوقاف بصلاة الغائب على عبدالناصر، يتقربون له حتى بعد موته والعياذ بالله (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)، فأبى هذا العالم المجاهد أن ينصاع لعلماء السلطة، وصدع بالحق ووقف على المنبر ليبين أن ما صدر من وزير الأوقاف لا يجوز ولا يصح، ومن ثم منع الناس من الصلاة عليه.. وتصور معي – أخي الحبيب – مدى قوة وشجاعة هذا الشيخ المجاهد في الحق، ولا سيما وهو كفيف البصر، صغير السن، يعارض وزير الأوقاف وهو معين حديثا في الأوقاف، ويمنع الناس من الصلاة على أعتى ديكتاتور في المنطقة العربية آنذاك، ولاسيما أنه كان له شعبيته الجارفة، كل هذه العوامل لم تمنع هذا الشيخ المجاهد عن قوله الحق، فكان على أثرها أن تم اعتقاله في سجن القلعة، لمدة 8 أشهر، أغلبها في زنزانة 24، وما أدراك ما زنزانة 24، وخرج الشيخ من سجن القلعة في 10 يونيو عام 1971 م، والسؤال: يا ترى ما الذي فعله الشيخ بعد أول تجربه له في سجون مصر؟

وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى .

الحلقة (6):

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد،

الدكتور / عمر عبد الرحمن ورحلة الكفاح والعطاء:

في البداية أريد أن أنوه على أن الشيخ /عمر عبدالرحمن لم يتم تعيينه معيدا بكلية أصول الدين على الرغم من أنه كان الأول على دفعته، وعيّن – كما ذكرت – في أول حياته إماما وخطيبا بقرية فيدمين بمحافظة الفيوم، ولكن لكثرة شعبيته أوقفوه عن الخطابة، وتم تعيينه فترة قليلة معيدا، ثم تم نقله إلى إدارة الأزهر لفترة، ثم بعد ذلك عين مدرسا بمعهد الفيوم، ثم عند خروج الشيخ من سجنه، عاد إلى معهد الفيوم لمدة ثلاثة شهور، ثم طلبوا منه أن يذهب إلى معهد المنيا، فحاول الشيخ في هذه الفترة أن يقدم التماسات، واعتذارات، لعدم نقله إلى معهد المنيا، حيث كان نقله للمنيا بمثابة عقاب له، لأنهم يعلمون أنه مستقر في الفيوم، وليضيقوا عليه في الدعوة إلى الله، ولكن الشيخ نجح في الفترة الأولى قبل نقله أن يراوغهم بتقديم الالتماسات لمدة شهرين حتى أتم تجميع المادة العلمية لرسالة الدكتوراه، ثم بعد ذلك ذهب الشيخ لمعهد المنيا وهو متخوف من مشاق الذهاب والعودة، والمسكن والمأكل وغير ذلك، ولكنه – سبحان الله – وجد في المنيا خير إخوان له يعينوه على ذلك.. أما من ناحية العمل بالمعهد، فقد تعاونت إدارة معهد المنيا مع المباحث في إلحاق الضرر بالشيخ / عمر عبد الرحمن، وأن تكون المشقة بالغة عليه، فوزعوا الجدول الدراسي عليه ستة أيام من أولها إلى آخرها، وحذر وكيل المعهد الشيخ أن يتصل بأحد، أو يتصل به أحد، ولكن على الرغم من كل هذه الصعوبات وتلك التضييقات.. ماذا فعل الشيخ كي يسافر الفيوم ويُجهّز ما بقي من طبع الرسالة وتحديد موعد كي يناقش رسالة الدكتوراه؟! هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.

الحلقة (7):

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد،

الدكتور / عمر عبد الرحمن وكيفية مناقشته للدكتوراه:

على الرغم – كما ذكرت – من التضييق الشديد على الشيخ في التحرك بسبب المراقبة الأمنية الشديدة عليه، وكذلك نقله للتدريس في محافظة أخرى غير التي يعيش فيها، فضلا عن توزيع الجدول الدراسي عليه ستة أيام من أول اليوم إلى آخره، على الرغم من ذلك كله، فكان الشيخ يسافر من محافظة المنيا إلى محافظة الفيوم مساء الخميس ويبقى لفجر يوم السبت، كي يفرغ من طبع الرسالة، وظل هكذا حتى بقي له تحديد موعد المناقشة، وأخذ الموعد من الدكتور / محمد أبو شهبة – عميد كلية أصول الدين – رحمه الله – آنذاك، وكان الموعد بعد أسبوع من لقائه، وهنا ما كان على الشيخ إلا أن يذهب سريعا للعضوين الآخرين لإبلاغهما بالموعد، ومن ناحية أخرى أبلغ الشيخ عمر معهد المنيا الذي يُدرّس فيه ببرقية أنه لا يستطيع الحضور للمعهد هذا الأسبوع.. وفي يوم الإثنين 1972 / 3 /13، وبدون أن يعلم أحد، لا من الفيوم، ولا من المنيا، ولا من مسقط رأسه في الجمالية – الدقهلية، ولا حتى أخيه، ذهب الشيخ إلى الكلية، ولا يعلم أحد بمناقشة الرسالة إلا العميد والعضوين، وقبل الموعد المحدد بحوالي ساعة، وضعت إدارة الكلية إعلانا صغيرا فيها يحدد موعد مناقشة الباحث / عمر أحمد على عبدالرحمن لرسالة الدكتوراه في قسم التفسير وعلوم القرآن، وموضوعها هو: “موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة”، وكانت الرسالة من خمس مجلدات – ندر من الباحثين من يقوم بمثل هذا الحجم من المجلدات – وكان الشيخ يقول: لولا ضيق الوقت لفعلت أكثر من هذا، ومن ثم نوقشت الرسالة، ولم تستطع المباحث حينها وقفها كما تفعل كثيرا، وفوجئ الجميع المباحث والجهات الأمنية والناس والمقربين بمنشور في الصحف في اليوم التالي يعلن فيه: أن الشيخ / عمر عبد الرحمن قد حصل على درجة “الدكتوراه”  ومنحه رسالة “العالمية” بتقدير: “امتياز مع مرتبة الشرف الأولى”.. وهنا وبعد أن فوجئ الأمن بهذا الخبر المباغت، ماذا كان ردُّ فعله؟، هذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى.                                                                   

التعليقات

موضوعات ذات صلة