بقلم: د. أحمد زكريا عبد اللطيف
نقطة الانطلاق صوب التغيير هي شهر رمضان، وإذا عثر الإنسان على نقطة الانطلاق هذه، فإن بذرة التغيير الصغيرة وجدت التربة الصالحة التي تدسّ نفسها فيها ثم تنطلق نحو الأعالي ولكن بمسير متّئد، خطوة خطوة، فما الداعي للعجلة، خصوصا أن الأقدام قد تزلّ فتسقط بالجسد ليصبح بين براثن الغدر في غفلة من الزمن، إن شهر رمضان هو تربة التغيير الفكري القيمي السليم، وهو الزمن الأنسب لتنظيم حياة الكائن البشري، خصوصا أن الله جعل الصيام له وحده حصرا دون سائر العبادات (أما الصيام فهو لي)، فالله العلي هو يجازي عليه.
وحين يعثر الإنسان على نقطة انطلاق صوب البناء الجيد، فهو سرعان ما يتعلم أساليب عالية الإتقان في مضامير البناء الأسلم والأدقّ، فلا يكتفي عند ذاك بمجافاة المعاصي، فهو يتدرب لكي لا يكف فقط عن ارتكاب الذنوب، وإنما يقصيها من تفكيره، أي أنه يصل الى مرتبة عدم التفكير بالمعصية، وهذه في الحقيقة مرتبة لا يطولها إلا من يحتكم على روح كبيرة، ونفس منضبطة، فتجد أن شهر رمضان الذي صار نقطة انطلاق التغيير يدفع بهؤلاء الى درجة التنازل والتخلي عن جميع أنواع المفطرات، ويبلغون في ذلك درجة قصوى بحيث لا يفكرون حتى التفكير المجرد، وهذه القدرة ترتبط بمرتبة عظيمة من مراتب التغيير، حتى يبلغ الفرد في صومه درجة (صوم الخواص) وهو أعلى مراتب الصوم.
ومن حسن حظ الإنسان في تركيبته الخَلقية، أن الله أودع فيه كل وسائل ومكامن القدرة على التكيّف والحماسة الشعورية، انطلاقا صوب تغيير البناء الروحي والنفسي، مدعوما بالإيمان، والإصرار على الصلاح والتقوى، مستفيدا مما يمنحه الشهر الكريم من تسهيلات كبرى كحوافز نفسية وروحية تحمل الإنسان كي يندفع بقوة في قارب الإيمان نحو شواطئ التنفيذ الفعلي للتغيير، فيصبح الكائن البشري صورة أخرى وعمقا ذاتيا معافى، وعلينا أن نوقن أن فضل شهر رمضان في بلوغ هذه النتائج المتمثلة في الثمرة الكبرى (التقوى) يعطينا الصورة المثالية لعظمة هذا الشهر، ولماذا أعطاه الله هذه المكانة العظمى بين شهور العام المتبقية.