بقم/أ.سيد فرج
لقد تنبأتٌ منذ أن تم اقتحام الكونجرس، أن السياسة الأمريكية الخارجية، سوف تتغير بدرجة كبيرة، نحو تبني الدفاع عن الحريات، وحقوق الانسان، ونشر الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، وذلك في مقال سابق بعنوان(اقتحام الكونجرس وأثره على السياسة الخارجية الأمريكية ) .
وها هي الإدارة تعلن أنها دولة ديمقراطية سياساتها الخارجية تسعى لتحقيق ودعم مصالحها التي من أهمها الدفاع عن قيم الديمقراطية وحقثوق الانسان، وأنها سوف تدشن تحالف غربي، لدعم الديمقراطية، في مواجهة النظم الاستبدادية، وأن الدفاع عن الديمقراطية، وحقوق الانسان، هما من أولويات الحكومة الأمريكية، كما أعلن ” بايدن” أنها سوف يعيد أمريكا إلى صدارة العالم بالعمل الدبلوماسي ونشر القوات اللذين يحققان مصالح أمريكا وقيمها الديمقراطية.
نعم لا أتوقع أن تقوم الحكومة الأمريكية، بتحرير الشعوب من الاستبداد، أو تحرك الجيوش من أجل اسقاط النظم الاستبدادية .
ولكن- الراجح عندي- سوف تقوم الإدارة الأمريكية، بإزعاج، وابتزاز، وإرباك الحكومات، والانتقاص من قيادات الدول، التي لديها أزمات سياسية، ولم تقوم بغلق ملف حقوق الانسان، وملف السجناء السياسيين، والتي توجد لديها اشكاليات كبيرة، في الحريات، والتداول السلمي للسلطة، وبالقطع دول عديدة منها إيران، والسعودية، والبحرين، ومصر وغيرها، وسوف تجد حرجاً وعنتاً، في علاقاتها السياسية، والدبلوماسية، والأمنية، والاقتصادية، وفي ملف المعونات، مع الإدارة الجديدة، مما يشكل ضغطاً، عليها نفسياً، واقتصادياً، وسياسياً، كبيراً، ولا سيما إذا حدث تواصل وتنسيق، بين المعارضة، والإدارة الأمريكية الجديدة .
وهذا السلوك المتوقع – في ترجيحي- من الإدارة، لن يصب في صالح المعارضة المصرية، ولن تستفيد منه الدولة المصرية، ولن يتم انهاء ملف حقوق الانسان، ولن يتم الافراج عن السجناء السياسيين، ولن يُفتح مجال للعمل السياسي السلمي، بشكل مرضي للقوى السياسة، ولن يسمح بالمشاركة السياسية، سواء في السلطة، أو في الممارسة العملية أو في التعبير عن الرأي، فقط سيتم ابتزاز السلطة، وتقدم مجموعة من التنازلات، في ملفات تهم الإدارة الأمريكية، يمكن أن تضر بالمصالحة الوطنية المصرية للتخفف من ضغط الإدارة الأمريكية .
لذلك أوجه رسالتين :
الأولي : إلى المؤسسات المصرية، الوطنية، صاحبة القرار، والتأثير، والرأي، لدى القيادة السياسية المصرية الحالية :
أقول: إن أمام السلطة المصرية اليوم فرصة، قد لا تتكرر قريباً، لانهاء الأزمة السياسية المصرية، بشكل تدريجي، وآمن لهذه السلطة، لأنه في ظل ضغط الإدارة الأمريكية اليوم، يمكن أن تتخفف الإدارة المصرية الحالية، من الضغوط الداخلية، والخارجية، التي تدفعها نحو عدم تسوية ملف السجناء السياسين، وتدفعها نحو اقصاء المعارضين واستئصالهم.
لذلك أطرح تصوراً عملياً، حتى لا يزايد الأمريكان على السلطة المصرية، ويمكن البناء عليه تحقيقاً لقول القائل” بيد لا بيد عمر” وقولي “مني لا من العدو استفاد أخي” .
أن تقوم السلطة المصرية بفتح قنوات تواصل مع العقلاء في المعارضة المصرية داخل السجون أو خارجها، لدراسة حالات السجناء الأشد احتياجاً وحرجاً وحالات النساء وصغار للإفراج عنهم، كما يتم فتح قنوات تواصل مع القوى السياسية المهمشة والمقصية داخل الوطن، لاتاحة مساحات لها أو مساحات أكبر لها للتحرك في اطار تحقيق المصالح العامة والوطنتية، بحيث يتم التدشين، لمرحلة جديدة من حياة هذا الوطن يمكن البناء عليها، في جو من الثقة حتى يتم انهاء المظالم بشكل كامل وعادل وآمن ومتوافق عليه.
الرسالة الثانية: للعقلاء والمدركين للحقائق ومآلات الأمور وغير المزايدن بجراح وآلام المستضعفين في المعارضة المصرية أقول :
الإدارة الأمريكية الجديدة أتت برؤية وخطاب جديدين ضاغطين على النظم الاستبدادية، نعم ولنا مظالم وعشرات الالاف من المظلومين من السجناء السياسيين بعضهم مرضى ونساء وكبار السن .
ولكن يجب أن نعي أن الرهان الكامل على الإدارة الأمريكية رهان زائف، فهي سوف ترحل بعد سنوات وتأتي إدارة أخرى بسياسات جديدة .
لذلك أنصح بأنه لا يجب التهليل لخطابات بايدن وتصريحاته (إعلامياً) أو تبني هذا النهج من قيادات معارضة كبيرة، نعم من حقنا عرض مظالمنا، ولكن بموضوعية، وصدق، وعدم تزييف للحقائق.
كما أنه يجب في هذه المرحلة خاصة، أن يتم تقديم خطاب عقلاني، من عقلاء المعارضة، إلى العقلاء والوطنيين، في المؤسسات المصرية، مضمونه أن المعارضة لا تستقوى بالأمريكان، ولكن لها مطالب مشروعة، تسعى لتحقيقها، بما لا يضر بالمصالح المصرية العامة أو المصالح الوطنية، وأن المعارضة لا ترفض الحوار، ولا انهاء الأزمة السياسية، من داخل البيت المصرى، وعلى الطاولة المصرية المستقلة .
اللهم احفظ مصر وأهلها من كل سوء