القائمة إغلاق

النبي وكرامة الإنسان

بقلم: الأستاذ عصمت الصاوي

جاء النبي صلي الله عليه وسلم والكرامة الإنسانية لطبقة معينة ودم معين والبقية الحقيرة الكاسحة همل لا وزن ولا قيمة، فقال صلي الله عليه وسلم: “الناس سواسية كأسنان المشط” وقال “كلكم لأدم وأدم من تراب”، فكرامة الإنسان وحقوقه مستمدة من كونه إنسان لا من أي حيثية أخري، فلا علاقة للجنس أو اللون أو الوطن أو الدين بكرامة الإنسان وحقوقه.

ولم تكن هذه شعارات نظرية أطلقها النبي صلي الله عليه وسلم ليجمع الناس حوله، إنما كانت واقعاً عملياً معاشا لمسته الجموع الهادرة بمشاعرها، وعاشت أحداثه بوجدانها.

فقد علمهم النبي صلي الله عليه وسلم أن للإنسان حقوقاً وعليه ألا يقبل الظلم والضيم والهضم والمهانة، وعلم الحكام والأمراء ألا يكون لهم حقوق زائدة على حقوق الجماهير، وليس لهم أن يهينوا كرامة الإنسان لأنه ليس بحاكم ولا أمير وكان هذا ميلادا جديدا للإنسان وحقوقه، فما الإنسان إذا لم تكن له حقوق الإنسان وكرامة الإنسان!!

ونزلت هذه المبادئ المحمدية علي أرض الواقع حيث المحك العملي والتطبيق الفعلي ونجحت التعاليم المحمدية أيما نجاح.

ففي مصر سبق ابن القبطي ابن حاكم البلاد، فاغتاظ بن الحاكم فضرب ابن القبطي، ضربه بحكم القوة وبحكم السلطان وبحكم الدين، وظن أنها عوامل تميزه على ابن القبطي، ذلك القبطي الذي لا تزال على ظهره وظهر ولده أثار سياط الرومان، فأي فرق بين سوط الرومان وسوط ابن حاكم مصر عمرو بن العاص، في الظاهر لا فرق، وفي الباطن كل الفروق.

فقد أطلق الإسلام ومحمد صلي الله عليه وسلم موجات من التحرر غمرت أنحاء الأرض وأرجائها.

ونجحت تعاليم النبي صلي الله عليه وسلم في الاختبار الأول وتحرر القبطي وأصبح إنسانا كريما ً يغضب لكرامته الجريحة. وتنجح مرة أخري في إقناع الرجل بنفسها وعدالتها فركب ناقته وتحمل المشاق والصعاب في الوصول إليها والاحتكام لها. وتنجح مرة ثالثة في الانتصار للمظلوم والانتصار لهذه الكرامة الجريحة حتى ولو كان علي بني دينها.

فيعطي عمر بن الخطاب الدرة لأبن القبطي ويقول قولته الشهيرة “اضرب بن الأكرمين “.

إنه المد المحمدي الجارف الذي حرر الإنسان ومنحه الكرامة ومنحه حقوقه كإنسان، ومع أن هذا المستوي الراقي الفريد لم ترتق إليه البشرية إلا في أوقات قصيرة من عمرها.

إلا أن هذه الدفقة الهائلة التي أطلقها الإسلام في سبيل تحرير بني الإنسان وحريته وكرامته تركت وبلا شك أروع الأثر في حياة البشرية التي اندفعت خلف هذه القمة السامقة تحاول أن تجاريها ولو في أحلام النابهين من أبنائها، بإعلان حقوق الإنسان تارة، ومحاولات السعي الحثيث في تطبيقها وتنزيلها علي أرض الواقع تارات أخري.

وهذه إحدى النماذج السامقة التي تدلل علي أن التعاليم المحمدية كانت أعظم أثراً وأطول عمراً من محاربيها وأنها كانت أقوي من الانهيار وأنها استعصت علي الانحصار وأنها امتدت طولاً حتى شملت أنحاء الأرض جميعاً وامتدت عمقاً حتى بلغت النفوس والضمائر، وأثرت في الكون كله من يوم أن أطلقها صاحبها وإلي اليوم تأثيراً إيجابيا في حياة البشرية كلها، سواء كان الإسلام هو القائم علي تنفيذها أم تنحي الإسلام وبقيت هي تفرض نفسها في عالم الواقع وفي حيز التطبيق وفي عالم الضمير.

التعليقات

موضوعات ذات صلة