بقلم: أ. سيد فرج

سمك.. لبن.. تمر هندي.. هذا هو الوصف، الذي يطلقه أولاد البلد في مصر الحبيبة، على أي حالة متداخلة، متشابكة، لا يظهر فيها المحق من المخطئ، ولا الخبيث من الطيب، لأن أطرافها المتصارعون، منغمسون في التسبب في الجرم، وأثوابهم جميعا متسخة، ويدهم ملوثة بالآثام، وهذا ما ينطبق على المشهد السوداني.
ونحاول هنا إلقاء الضوء، على المشهد السوداني، بشكل موضوعي، لعلنا نقدم الصورة بشكل أوضح، للمتابعين للشأن السوداني، وذلك من خلال العناصر التالية:
الأول: من هم أطراف الصراع في المشهد السوداني؟
الثاني: ماهي مواقفهم، من القضايا السودانية الهامة، داخليا وخارجيا؟
ثالثا: من هم الذين يجب الوقوف معهم، ودعمهم في السودان؟
الرابع: وماهي السيناريوهات المتوقعة، بعد استيلاء البرهان على عرش السودان؟
أولا: أطراف الصراع في المشهد السوداني هم:
- البرهان وقواته (الجيش وقوات دعم السريع) ومؤيديهم.
- القسم الأكبر عددا، من قوى الحرية والتغيير، وهم ما يطلق عليهم (المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير) ومؤيديهم.
- القسم الأقل عددا، من قوى الحرية والتغيير وهم ما يطلق عليهم (تيار الميثاق الوطني) ومؤيدهم.
- نظام البشير وحزب المؤتمر الوطني، ومؤيدهم، (وهم الآن مصنفون من مؤيدي البرهان.
- باقي الشعب السوداني، غير المنضوي تحت راية هذه الأطراف، وهم الفئة التي يدعي كل طرف، أنه يتحدث باسمها.
ثانيا: ماهي مواقف الأطراف الأربعة الأولى، من القضايا السودانية الهامة، داخليا وخارجيا، وهذه القضايا هي:
- قضية الحفاظ على المصالح الوطنية، مثل، الحفاظ على الحدود ومياه النيل.
فمواقف الأطراف الأربعة متقاربة، فسياسة البشير، وأتباعه، كانت السبب الأكبر، لتقسيم السودان _ وتفجر صراعات مشابه فيما تبقى منه كدارفور وغيرها_ وهو الذي وقع اتفاق المبادئ لسد النهضة، كذلك قوى الحرية والتغيير، مواقفها ضعيفة فيما يختص بسند النهضة، وأزمة الحدود، التي لها تأثيرات خطيرة على السودان.
- قضية تحقيق التوافق، والشراكة بين طوائف المجتمع السوداني، ومحاولة بناء سودان جديد بسواعد كل أبناء السودان.
وجميعهم إقصائيون لمخالفيهم في الرأي أو الفكر، فالبشير، انقلب على حزب المؤتمر الإسلامي، الذي أوصله للحكم، وقسمه إلى قسمين، وطني تابع له، وشعبي معارض له، كذلك قوى الحرية والتغيير، هم إقصائيون لمن يخالفهم، حتى لمن معهم في قوى الحرية والتغيير
- قضايا الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والحريات، والاحتكام لصندوق الانتخابات.
جميعهم متقاربون، ومتشابهون، في استخدام الإجراءات الاستثنائية، ضد معارضيهم، ومنعهم من حقوقهم الأساسية، وقوى الحرية والتغيير، لا تقل عن البشير والبرهان كثيرا، فهي ترفض الذهاب لصندوق الانتخابات، إلا بعد إقصاء كل من هو مخالف لها، حتى لا ينافسها مكون، وجميعهم يرفض التداول السلمي للسلطة، وجميعهم يسعى لتكميم الأفواه المعارضة، وقوى الحرية والتغيير، كانت تطالب البرهان بفض الاعتصامات، التي في شرق السودان بالقوة، وكذلك التي أمام قصر الرئاسة
- قضية التطبيع من الكيان الصهيوني.
جميعهم مطبعون، حتى البشير ختم تاريخه بالتقرب مع الصهاينة، واستكمل ما بدأه البشير البرهان وحمدتي، وكذلك قوى الحرية والتغيير، لم ترفض هذا التطبيع، بل أعلنت أنها لا تعارضه
- قضية تطبيق الشريعة ونصرة الاسلام والمظلومين.
نعم البشير وحزبه -المؤتمر الوطني-كانوا يطبقون بعض احكام الشريعة، ولكنهم لم يقدموا الصورة الحسنة، والحقيقية للإسلام ولا للمسلمين، مما جعل تيارات إسلامية-كحزب المؤتمر الشعبي- وتيارات لا تعارض الشريعة-كحزب الأمة- داخل السودان، تعارضه وتشارك في الثورة ضده، جنب إلى جنب مع اليساريين والشيوعيين، ولقد ختم تاريخه بالتنسيق مع الأمريكان، حتى كان السودان في آخر عهده الدولة الأولى التي تزود أمريكا بالمعلومات وتسليم المطلوبين ، كما ختم حكمه بزيارة “بشار الأسد” لكي يسوقه للعالمين العربي والإسلامي والعالم أجمع، فخلعه الله من عرشه، لأنه أساء لشعبه، ولدينه، وللمستضعفين في سوريا، وغيرها، وهو الذي أرسل المرتزقة السودانيين، إلي ليبيا ليهدم ثورتها، أما قوى الحرية والتغيير، فلا تقل سوءا عن هذا البشير ولا برهانه، فالمكون اليساري، والشيوعي، أيضا بداخلهم يضمرون الحرب لكل من يحمل الفكرة الإسلامية، وهذا واضح من تصريحات قيادتهم
أما باقي الشعب السوداني، فهو يتطلع، لقوى تقوده إلى التوافق، وإلى السلم المجتمعي، وإلى التنمية المستدامة، بعيدا عن منطق الإقصاء، والاستحواذ، ونشر الكراهية، والحروب الأهلية، ويتطلع إلى نهضة حقيقية، ودولة تحترم فيها الحقوق والحريات، وتمتلك قرارها، واستقرارها، واستقلالها، وهذه المكونات الأربعة لا تمتلك-من وجهة نظري ومن خلال متابعتي القوية- إرادة ولا الرغبة لتحقيق ذلك، فهم جميعا إقصائيون، الغاية عندهم تبرر الوسيلة.
ثالثا: من الذين يجب الوقوف معهم، والدعاء لهم بالتوفيق؟
هم غالبية الشعب السوداني، الذي رفض استبداد البشير، وسلوكه السياسي، على المستويين الداخلي والخارجي (خاصة في سنواته الأخيرة) والذي يرفض استحواذ بعض قوى الحرية والتغيير، على مفاصل الدولة السودانية، وإقصاء كل المكونات الأخرى، والذي يرفض محاربة الإسلام والمسلمين، والذي يرفض التطبيع، ومناصرة الحكام المستبدين، وهؤلاء لم يتصدر مكون (حتى الآن) للحديث بمطالبهم أو باسمهم.
رابعا: ماهي السيناريوهات المتوقعة بعد استيلاء البرهان على عرش السودان؟
أولا: توصف المشهد الحالي باختصار:
استولى البرهان على الحكم، ومعه قوات الجيش والدعم السريع، ومعه جزء من قوى الحرية والتغيير، وباقي حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا، ومعه بعض الحركات المسلحة، ومعه جزء كبير من الشعب السوداني، في حين يقف على الطرف الأخر، الجزء الأكبر والأعلى صوتا، من قوى الحرية والتغيير، ومعهم دعم داخلي من جزء كبير من الشعب السوداني أيضا، ولهم قدرة أكبر من البرهان، على حشد الشارع، ولاسيما في الخرطوم، ففي حالة الحشد، سوف يظهر أن الشارع معهم.
خلاصة الوضع الداخلي، أن هناك خلاف في الشارع السوداني، بين مؤيد ومعارض، ولكن قوى الحرية والتغيير عندها قدرة على حشد الشارع خاصة في الخرطوم، ومن يقفون ضد البرهان يظهرون اعلاميا أنهم الأكثر عددا
المواقف الدولية والإقليمية، ودول الجوار، ومواقفها هامة، وفاعلة، في المشهد السوداني، وهي على النحو التالي:
- دول الجوار: فمصر تتفاهم أكثر مع الحكم العسكري في السودان، وهذا أمرا تاريخيا لا يرتبط بالنظام الحالي، وجنوب السودان يتأخر قليلا في إبداء الموقف للحساسية، وليبيا حفتر يتمنى انتصار العسكر، أثيوبيا، ضد العسكر وتحركت وطلبت تعليق عضوية السودان في الاتحاد الافريقي.
خلاصة موقف دول الجوار، مختلف فلا هو مؤيد بالكلية ولا معارض كذلك
- موقف الدول إقليمية: مختلف دولا تؤيد في صمت، ودولا تعارض في صمت
- موقف الاتحاد الافريقي: يرفض انقلاب البرهان، وموقفه هام ومؤثر.
- الموقف الدولي: أمريكا والاتحاد الأوربي: لا يصفونه بالانقلاب، لأن قوى الحرية والتغيير ليسوا منتخبين، وهو انقلاب بعد انقلاب، لكن يطالبون العسكر بالرجوع عن الانفراد بالسلطة.
الصين: لا تريد انفراد البرهان بالسلطة.
روسيا: تطالب بعدم التدخل في الشأن الداخلي السوداني.
خلاصة الموقف الدولي، لا يصب في صالح البرهان، وهو موقف ضاغط عليه، ويمكن أن يتطور، لكنه يمكن أن يتغير، ويتحول لصامت وغير ضاغط، ثم داعم إذا تصرف البرهان بذكاء، وأخذ خطوات تسريع تسليم السلطة للمدنيين موالين عبر انتخابات
إذن: نحن أمام طرف استولى على السلطة، ومعه قوات جيش، وله حاضنة شعبية، قد لا يستطيع حشدها، ويقف ضده قوى سياسية لها حاضنة شعبية كبيرة، قادرة على حشدها بشكل كبير، وراءها دعم دولي قوي.
فعلى ما تقدم يمكن تصور السيناريوهات الآتية:
السيناريو الأول:
أن تستطيع قوى الحرية والتغيير الظهور بحشد كبير، وتعتصم وتحاصر المؤسسات الحاكمة، وتدعمها أمريكا، ويتم الضغط على البرهان لتسليم السلطة لهم مرة أخرى، وعندها، سيتم استبدال البرهان بقيادة عسكرية أخرى.
السيناريو الثاني:
أن يخرج قيادة عسكرية جديدة وينقلب على البرهان، إذا خرج الشعب بأعداد كبيرة حاشدة لا يمكن التصدي لها بالعنف، وعندها سيتم التفاهم بينه وبين قوى الحرية والتغيير.
السيناريو الثالث:
أن تخرج حشود، ولكن لا تستطيع الحسم في الأيام الأولى، ويستبق البرهان الحراك ويشكل حكومة مدنية تقوم بالدعوة للانتخابات التشريعية والرئاسية، وفي هذه الحالة سوف يقل الضغط عليه دوليا، ويعطي نفسه فرصة إما أن يسلم السلطة أو يعطى نفسه وقت للمناورة
السيناريو الرابع:
أن يستمر الوضع الحالي حشود تقابلها حشود معارضة، ويشكل البرهان حكومة مدنية تدين له بالولاء، ويحدد موعد انتخابات تشريعية، ثم يرشح نفسه رئيسا،
السيناريو الخامس:
أن يفعل البرهان ما فعله سوار الذهب رحمه الله تعالى، ويسلم السلطة للمدنيين عقب انتخابات، ويتنازل عن السلطة.
في النهاية: أنا لست مؤيدا للحكم العسكري، ولا للاستيلاء على السلطة بالقوة، ولا مع حكم السودان بالقهر، ولست مؤيدا لقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، ولكن أتمنى أن يصل الشعب السوداني لمرحلة الوعي التي تجعله يختار من يحكمه، بلا انتقام، ولا إقصاء، ممن يخالفه، أو يعارضه، أيا كان فكره أو رأيه.