بقلم الشيخ/ أسامة حافظ
كلاهما أسامة وكنج ولد دون إرادته اسمر البشرة ولكن الأول ولد في أحضان حضارة الإسلام التي كتب القرآن على بابها “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” فتوسد وهو دون العشرين من عمره قيادة جيش حوي سادة قريش وعظماءها. أما الثاني فقد ولد في حضارة الغرب بعد أكثر من قرون عشرة فكان لا يجرؤ أن يدخل مدرسة للبيض كتب على بابها ممنوع دخول السود والكلاب.
لعل أكثرنا يعرف من هو مارتن لوثر كنج الذي تحتفل أمريكا والعالم الغربي بذكري وفاته أقصد ذكري اغتياله كل عام والذي باهوا به الأمم حتى منحوه جائزة نوبل سنة1964.
* ولد لوثر سنة 1929 , يحصل الأمريكيون في 15 يناير من كل عام على أجازة احتفالات بذكري وفاته وهي أحد أعياد أربعه تحتفل بهم الفيدرالية “حيث حصل على تعليمه الأولي ثم التحق بمعهد اللاهوت في أتلانتا تخرج فيه سنة 1944 وعين قسا بعد ذلك بعام واستمر في دراسته حتى حصل على الدكتوراه بعدها بسنوات خمس.
* سنة 1954 أحرز السود أول انتصار لهم ضد التمييز العنصري بحكم للمحكمة الدستورية ببطلان التمييز في المدارس الحكومية وكانت هذه أيضا بداية لوثر في المشاركة في الحرب السلمية ضد التمييز العنصري.
كانت البداية مع شركات الأوتوبيسات التي كانت تخصص المقاعد الخلفية للسود فكانوا يركبون من الأمام ليدفعوا ثمن التذكرة ثم ينزلون للركوب من الخلف ـ باب السود ـ وكثيرا ما كانت الحافلة تسير متجاهلة خلفها الراكب الأسود الذي تتركه محملا بالإهانة والقهر.
* ركبت “رولا باركس” وهي حائكة زنجية احدي الحافلات وجلست في مقاعد البيض فلما أمرها السائق أن تقوم رفضت فاستدعي لها الشرطة التي اقتادتها مكبلة بالحديد وسط الكثير من الإحساس بالهوان والقهر يغمرها ويغمر معها كل السود الذين كانوا في الحافلة، وكانت هذه البداية إذ دعي مارتن لوثر إلي مقاطعة الحافلات التي تمارس التمييز ـ وكان السود أكثر من 70% من ركابها ـ وانطلق يدعو إلي مقاومة العنصرية بالطرق السلمية وهو يتمثل دعوة الزعيم الهندي الشهير المهاتما غاندي .. واستجاب له السود سريعا وبدأت شركة الأتوبيس تتصاعد خسائرها بسبب حملة المقاطعة الواسعة التي نظمتها واستجاب لها الناس.
* ألقي القبض عليه أكثر من مرة بتهم ملفقة وأفرج عنه وألقت على بيتهم قنبلة وفي البيت زوجه وأولاده ولكنه استطاع أن يمتص انفعال الناس بذكائه وكاريزميته ويصرفهم عن ردود الأفعال العنيفة.
ومع استمرار نشاطه الواسع اجتمعت كافة الجماعات المناهضة للعنصرية ليختاروه رئيسا لهم بالإجماع.
* ثم ها هو يحرز نصرا جديدا فتحكم المحكمة الدستورية ببطلان التمييز في المواصلات لينهي بعد ذلك المقاطعة. وأمام تمثال لينكولن محرر العبيد طالب لوثر بحق الانتخابات للسود واستطاع في مده بسيطة أن يسجل أكثر من خمسة ملايين ناخب أسود في قوائم الانتخابات ليدلل على الوعي السياسي للسود وعلى ايجابيتهم فيضطر الرئيس نيكسون سنة 1965 أن يوقع قانونا يعطي السود حق الانتخابات ليحرز كنج به المزيد من الانتصارات.
* وفي عهد الرئيس كيندي يقود لوثر مجموعة من المظاهرات الحاشدة عبأت الشعور العام خاصة لما شارك آلاف من الأطفال في إحداها وكانوا في طليعة المظاهرة فاصطدمت الشرطة بهم وشاهد العالم في التلفزيونات كلاب الشرطة وعصيها تطارد الأطفال وتنكل بهم.
* وفي 28/8/1963 كان السود يجتمعون في أعظم مظاهرة رأتها أمريكا احتشد فيها أكثر من ربع مليون أسود وشارك فيها أكثر من 60 ألف أمريكي أبيض من مناهضي العنصرية الأمريكية البغيضة ووقف لوثر تحت أقدام تمثال لينكولن يخطب في هذا الحشد الهائل خطبته الشهيرة ـ عندي حلم ـ انطلقت فيها كلماته الحالمة “أنني أحلم اليوم بأن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم”
ولكن الحضارة الغربية لم تحتمل أحلام كنج الوردية ولم يشفع له عندهم أن منحوه جائزة نوبل سنة 1969 وأنهم لقبوه رجل العام من خلال جريدة تايم.
* لم يشفع له أنه كان رجل سلام لا يحمل مدفعا ولا صاروخا ولكن يحمل حلما يحلم به ويحلم به الملايين من السود الأمريكان هو أن يعاملوا كما يعامل البشر يتفاضلون بالتقوى والخلق القويم لا باللون الذي لا يد لهم في خلقته.
لم يحتملوا حلمه وأحلام من خلفه في الحرية التي وهبها الله لهم فسلبها منهم أخوانهم من البشر.
لم يحتملوه وقتلوه في مثل هذه الأيام من سنة 1968 ليبوء الغرب وحضارته بإثمه ويثقل كاهله بدماه.
فيا متثاقفينا من عباد حضارة الغرب وسدنة هيكلها منذ أربعة عشر قرنا قال رسولنا العظيم لصاحبه أبي ذر وقد عير بلالا الأسود بلونه “يا أبا ذر طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى…” فوضع أبو ذرـ رضوان الله عليه ـ خده على التراب وأبي أن يرفعه إلا أن يطأه بلال الأسود بقدمه تكفيرا عن قولته .
* يا عباد الغرب لقد أفزع أمير المؤمنين عمر أن يضرب ابن أميره مصريا مجهولا من الرعية لأنه سبقه فأبي إلا أن يضرب كما ضرب وقال لأبيه “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا” يا عباد الغرب لقد حكم قاض المسلمين على أمير المؤمنين على وهو من هو في علمه ودينه وتقواه ومكانته وأمر بإعطاء درعه لخصمه اليهودي لأن أمير المؤمنين فشل في أن يثبت ملكيته للدرع ـ وهي بالتأكيد ملكه والقاض يعلم أنها ملكه ـ ولم تمنع يهودية من حصوله على يا عباد الغرب لقد حكم بلادنا كافور الزنجي وبيبرس الأبيض وقطز الأصفر فما أنكر لونهم أحد .
يا عباد الغرب لقد قاد حضارتنا علماء بيض وصفر وسود فما انتبه أحد إلي لونهم وهم يرتشفون من معين عطائهم وأكرموا وقدموا وتبعهم الناس. أما الهكم ومعبودكم الغرب فقد ضاق بأحلام القس الأسود ولم يتحمل دعوته التي سبقه إليها الرسول العظيم قبل أربعة عشر قرنا وقتلوه منذخمسين سنة فقط من هذا اليوم .
فهل هناك ثمة من يحدثنا نحن عن حقوق الأقليات وعن التمييز العنصري في بلادنا وبين أبناء حضارتنا أم أنهم ينبغي أن يخفضوا رؤوسهم خجلا كلما تذكروا مارتن لوثركنج ونهايته المفجعة.