بقلم/أحمد زكريا
ما أجمل أن يتجرد الإنسان من ملابس الزور التي يلبسها،ويزيل القناع الذي يراه الناس به،ويواجه نفسه بحقيقتها،ويمتلك الشجاعة لمواجهتها.
هي لحظات من الصفاء والوضوح والشفافية قلما تتكرر.
هي أوقات نادرة يستطيع العبد فيها أن يخرج من ذاته التي يدور حولها،ومن الغبش الذي يملأ حياته،حتى كاد ينسى حقيقته.
في هذه الأحوال الإيمانية العجيبة يملك العبد منا القدرة على مواجهة نفسه بأخطائه وتقصيره وذنوبه،وحقيقة حجمه،والذي حاول كثيرا أن يتعملق ليخدع الناس،ويأخذ ماليس له،وينتزع بكل طريقة آهات الإعجاب من المخدوعين به.
في هذه الأحوال المفعمة بالإيمان والتطهر والصفاء،تنفجر المآقي باكية على حالها،فتنزل هذه الدموع الساخنة على القلب فتغسله من درنه،وتذهب قسوته،وتسنبت فيه معاني الإيمان والصدق والتجرد،والتخلي عن الحول والطول والقوة،فيرى القلب الأمور على حقيقتها دون تزييف ،أو خداع .
يحدث هذا عندما يتعرض القلب لجرعة إيمانية مكثفة،عندما يتجرد من زخرف الدنيا ويرجع عبدا لا سيدا،فقيرا لا غنيا،ضعيفا لا قويا،جاهلا لا عالما،لايرى لنفسه يدا على أحد،ولا فضلا ولا منة.
يحدث هذا عندما يخلو العبد بربه،يبوأ بنعمه،ويعترف بذنبه،يبثه شكواه،يرفع يديه متضرعا متذللا مفتقرا،عندها يستشعر معنى العبودية،فيصبح كمال المحبة له شعارا،وتمام الذل له دثارا.
يشعر العبد حقيقة بسجود قلبه،بعد أن تخلف كثيرا عن القالب،ويجد نفسه يترقى في مقام العبودية،ويحقق في بضع ليال مالم يحققه في سنين طوال،وهذه من بركات رمضان التي لاتحصى،ومن ثمار الاعتكاف التي لا تتناهى.
عندما يصل العبد إلى هذا الحال من الخشوع والخضوع والإذعان لربه ومولاه،ويستشعر لذة الأنس به جل وعلا،يتمنى عندها أن تكون بداية انطلاقه إلى الله والدار الآخرة في هذه الحالة،وأن يخرج من دنياه ومن ظلمة نفسه،وقد عرف حقيقتها ،ووقف على أماكن الخلل والنقص فيه،وتبرأ من حولة وقوته،ودبت في قلبه حياة جديدة..”أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس…”.
فيا هناءة من سجد قلبه،ودمعت عينه ،وعرف قدره،وذاق لذة العبودية.