القائمة إغلاق

لقطات من حياة د.عصام دربالة

بقلم/الشيخ على الديناري

فى حوار مع الشيخ كرم زهدى قال: إن عصام دربالة ـ وكان طالبًا بكلية الهندسة بأسيوط ـ بعد أن انضم إلى الجماعة الإسلامية حدَّثَه عن رؤيته فى الدعوة إلى الله فقال : إن هذا الزحام وهذه الجماهير التى تزحف إلى المؤتمرات الحاشدة ثم تنصرف دون توعية ولاتعليم ولا إعداد بالعبادة والفهم لاتكفى؛ بل لابد من التزكية والتعليم . فطلب منه أن يُعدَّ فى ذلك رؤية وبالفعل بعدها بدأت الجماعة تهتم بالمعتكفات والمدارس العلمية بالمساجد وزيارة القبوروحفظ القرآن وهو الأمر الذى أكده الدكتور عمر عبد الرحمن بعد ذلك .
فكان دخول دربالة فى الجماعة الإسلامية بداية مرحلة جديدة من التربية 
ـ وفى سجن الاستقبال سنة 1981 بعد انتهاء تحقيقات أمن الدولة فتح السجن أبوابه فكان السجن خليطًاً من كل الاتجاهات والأفكار حتى التكفير والهجرة، والتوقف، والفرماوية، والتبين، وغيرهم ؛ وكانت المشكلات الفكرية والمناظرات تقلق الجميع كل ليلة وتتحول إلى مشاجرات على الملأ وانتشرت شبهات التكفير فى السجن.
ـ وعندما أُخرج الدكتور عصام من التأديب وجاء إلى عنبر” أ”إذا به يبدأ بتنظيم الدروس الليلية داخل الزنازين فى الرد على التكفير ويبيت الليلة كاملة يشرح ويرد على الشبهات والأسئلة من ذاكرته كأنه يقرأ من كتاب
ـ وفى أول أيامنا فى ليمان طرة كانت أوضاعنا غاية فى الصعوبة.. كنا لانخرج لدورة المياه إلا ربع ساعة لكل زنزانة ورغم ذلك طلب من الإخوة أن يقتطعوا بعض الوقت ليدرسوا معه قضية “العذر بالجهل ” وعندما شكا الإخوة من شدة الحر فى الزنازين التى كان يحشد فيها عددًا كبيراً أثناء الفسحة من أجل دروس العقيدة والعذر قال :إن معنا فى السجن من ينشر “عدم العذر بالجهل|” فوجب علينا تحصين الإخوة من هذه الفكرة الخطيرة
ـ وبعد أن فُتحت علينا الأبواب فى الليمان انشغل كثير من الإخوة بالمشكلات والضغوط على إدراة السجن من أجل حقوقنا كمعتقلين وكان ذلك يشغل حياتنا يوميا بالقلق والاضطراب وتقلب الأوضاع لكن الشيخ عصام وقف وقفةً فقال : إن فترة السجن ليست اسثنائية من أعمارنا ولا من أهدافنا بل هى جزء منها ويجب أن نوظفها لخدمة أهدافنا ولن نظل هكذا فى صدامٍ مستمر مع الإدراة بل علينا أن نكتفى بالوضع الذى يوفر لنا الحد الذى يجعلتا قادرين على الانطلاق فى العبادة والدراسة وطلب العلم
وفعلا تحول السجن الى معسكر دائم من الحلقات والدروس وكتابة الأبحاث بعد مساهمة بقية القيادات فى تهيئة المناخ وتوضيح المفاهيم خصوصا الدكتور ناجح ابراهيم
ـ وقبل الجلسة النهائية لإصدار الأحكام بشهور طرح الدكتور عصام مسألة :” وماذا بعد الأحكام”؟ ليتهيأ كل واحدٍ لما ينتظره وقُسَّم الإخوة إلى: منتظَر الحكم عليهم يجب أن يستعدو ا للحكم بكثير من العبادة والعلم، ومنتظر خروجهم يجب أن يجتهدوا فى دراسة الأبحاث ويستعدوا للدعوة إلى الله. ولم يترك الشيخ عصام أمرًا مُتوقعا فى المستقبل الا وأعدَّ له ما يمكن حتى إن المتوقع خروجهم كانوا يتصورون ماذا سيحدث معهم منذ إعلان الحكم فى المحكمة وترحيلنا الى السجن ثم عزلنا عن بعض حتى أننا جهزنا متعلقاتنا قبل الخروج للجلسة توقعا لمعاملة جديدة من إدارة السجن كما حدث مع من سبقنا من القضايا فى السبعينات وكان الإخوة الكبار كما كنا نسميهم أى القيادات قد سألوا من سبقنا فى سجن المزرعة عما حدث معهم وبناء على ذلك توقعوا ما سيحث واستعدوا له وأعدوا بقية الإخوة وكان الشيخ عصام فى هذه الفترة لاينام من الليل ولا النهارإلا قليلا انشغالا بمشروع ماذا بعد الأحكام ؟
ولم نكن نراه فى أى وقتٍ إلا فى عمل وكنا نسكن فى عنبري التأديب والتجربة وكان عنبرالتأديب أغلبه قيادات الجماعة الاسلامية والجهاد وكان عنبرالقيادات هذا مشدودًا فهم دائما مشغولون ولاوقت لديهم للترويح والمرح بينما كان عنبر التجربة شبابيًا مرحًا .
ـ عندما حاضر الكتور عصام فى ندوات مبادرة وقف العنف فى السجون عرض الأمور بإنصاف وكان فيما قال : (إن الجماعة الاسلامية لاتتحمل وحدها مسؤلية ماحدث وإنما يشاركهافى ذلك الذين انتهجوا سياسة الضرب فى سويداء القلب )
وقال :(( لم يكن ذنب الجماعة الاسلامية أنها حملت السلاح لدفع الصائل عليها بل كان ذنبها عند الحكومة من قبل أن تحمل السلاح هو انتشارها فى المجتمع وحل مشكلات الناس ومشاركتها بالمشروعات الاجتماعية ومساندة الفقراء )
وكان لهذه الكلمات أثر كبير فى نفوس أبناء الجماعة لأنه عالج ووازن الهجوم الشديد الذى شنه غيره عليهم غير أن هذا الكلام لم يعجب القيادات الأمنية وتوجه له تحذيرا من تكرار هذا الكلام
وقال أيضا ( لقد راجعنا مسيرة الجماعة الاسلامية فوجدنا فيها خيرًا كثيرًا كما وجدنا بعض القضايا التى تحتاج إلى تكملتها وبعض الأمور التى تحتاج إلى مراجعتها
ـ وفى الندوات فى سجن أبى زعبل طالب الدكتور عصام فى إحدى الندوات بإعادة الشيخ “عبود الزمر” والدكتور” طارق الزمر” ومشاركتهم فى الندوات وقال: إنهما موافقان على المبادرة ولايوجد مايدعو لعزلهما ومنعهما من المشاركة . ثم سأل الحاضرين وهم جميع المعتقلين: هل أنتم معى فى هذه المطالبة ؟ فرفع الإخوة جميعا أيديهم موافقةً بل فوجىء الاخوة بهذا الموقف الشجاع من الدكتور عصام الذى عبر عن مطلبهم حيث كانوا يتساءلون دائما عن الشيخين وسببب عزلهما؟ ولماذا يسكت المشايخ على هذا العزل؟ فلايجدون من غير الشيخ عصام إجابة شافية.
ـ وعندما توقف الافراج عن المعتقلين وساءت حالتهم النفسية وتم عزل الشيخ عصام والشيخ عاصم عبد الماجد بسجن المنيا ثم تم ترحيل الطلبة إلى هناك للامتحانات كان السؤال السائد فى هذه المرحلة الصعبة : ترى هل تعود الجماعة الإسلامية للدعوة الى الله مرة أخرى ؟
كانت إجابة الدكتور عصام هى : إن هذا الأمر أنتم الذين تقرررونه ولن يقرره غيركم إنها إرادتكم وحدكم فإن أردتم أن تعود وصدقتم فى هذه الإرادة فستعود بإذن الله وإذا تخاذلتم فمهما أذن لكم فلن تعودوا.
وكانت هذه الإجابة لاتُعجب كثيرا من الإخوة لأنها كانت تُحمََّلهم المسؤلية لكن الحقيقة أنها هى التى رفعت الإخوة من حالة الاستسلام واليأس
وكان رده على الشباب المحبطين من المراجعات :”إنكم تريدون جماعة تنتصر ولاتنهزم أبدا وهذا لايكون وتصيب ولاتخطىء أبدا وهذا لايكون” .
كان الدكتور عصام دائمًا صاحب مشروع يضعه وينشغل به ويطرحه على من حوله حتى عندما اعتقلوه آخر مرة أرسل عبر محاميه يطلب رسالته فى الدكتوراه ليستكملها وبعض الكتب لاستكمال كتابه عن عقيدة “تنظيم الدولة
كان مشروعه دائما مشروعًا عاليًا يتجاوز الظروف الصعبة المحيطة به وفى الوقت الذى كان مشروع كثير من قيادات الجماعة هو خروج المعتقلين وليكن بعدذلك مايكون باعتبارهم فى ورطة وحالة إنسانية يُرثى لها تستحق إشفاق المسؤلين ـ وكان الحديث مع المسؤلين على هذه القاعدة ـ كان مشروع الدكتور عصام هو: ماذا عن مصلحة الاسلام ومصلحة الوطن ؟ ولذلك طلب من الإخوة إعداد تصورات للدعوة وبرامج لعمل الجمعيات الخيرية وإعداد برامج تربوية وعلمية لهذه الفترة .
قبل انتهاء انتخابات الرئاسة كان الدكتور عصام ـ مع الحزب ـ قد فرغ من كل مايخص الانتخابات وكان قد أعد تصورًا لكل احتمال بما فى ذلك احتمال الإعادة
عندما تساوت الدكتور مرسى مع منافسه فى الانتخابات فتقررت الإعادة أخرج الدكتور عصام من درجه سيناريو الإعادة وطلب من الإخوة الاتصال بالإخوان لسؤالهم ماذا بعد ؟ للانظلاق في الخطوات التالية .
وعندما نجح الدكتور مرسى كان الدكتور عصام قد أعدَّ مع إخوة آخرين فى الحزب عددًا من الإجراءات والقرارات المقترحة وتصورًا عن اليوم الأول بعد استلام الحكم 
فى المرحلة التى شعر فيها معظم الإسلاميين بالأمن والارتياح والراحة وانصرف كثيرون إلى حياتهم الخاصة كن دربالة يقضى الأسابيع أو الشهر كاملا فى القاهرة لايرى أبناءه ولايحدثهم إلا مراتٍ أو مرة خلال اليوم .
رحم الله الدكتور عصام وأكرم مثواه وصب عليه الخير صبًا

التعليقات

موضوعات ذات صلة