بقلم/أحمد زكريا عبداللطيف
لقد أحسست بألم شديد،وإحساس قاس عندما قرأت هذا الخبر:
شاب عاق يهشم رأس والدته بقطعة حجر فى أسيوط.
لقد صفعت سياط هذا الخبر نياط قلبي،وذكرتني بأمي رحمها الله،التي ماتت في مثل هذه الأيام الثلاثاء 25-12-1985،نكأت الحادثة جرحا قديما ظننته اندمل،فقد ذكرتني بالرحمة التي فقدتها بموت أمي،والطمأنينة التي ضاعت بوفاتها.
أمي كم مرت علي أيام وليال تمنيت لو كانت بجانبي،كم تعرضت لمواقف كنت في أشد الحاجنة لحضنها الدافيء لألقي بهمومي وآلامي بين ضلوعها.
أيفعل عاقل في أمها هذا،كيف لإنسان بل لكائن أن يرفع صوته فوق صوت أمه،بل من يتجاسر ليحدق النظر في وجه أمه،من يطاوعه قلبه ليقطب جبينه في وجه أمه.
كيف ينهى الله عن مجرد (أف)،ونجد من يسب والديه،بل ومن يضرب أمه وأباه،فهل وصلت القسوة إلى حد القتل،أي قلب هذا هل قد من حجر ،هل هو من جنس الناس ،هل هو من الكائنات الحية؟ ،هل يعرف قيمة النعمة التي قتلها بيده؟
الأم باب الرحمة،كم تعبت لنرتاح،كم سهرت لننام،كم جاعت لنطعم،كم ظمئت لنروى،كم ضحت بعمرها وصحتها ليعيش الواحد فينا هانئا سعيدا مطمئنا؟
أتذكر أمي يوم ماتت ،وكان يوما شاتيا ماتوقفت السماء الهطل،وكأن السماء اختزنت دموعها لتذرفها يوم فراق أمي للحياة!!
كم عانت أمي من الربو ومن آلام الصدر،كان الشتاء إذا دخل عليها لايهنأ لها نوم ولا يغمض لها جفن،كان السعال والكحة تكاد تخرج روحها من شدتها.
كانت رحمها الله ،وكأن الطيبة قد جمعت في قلبها هينة لينة سليمة القلب،صابرة على مرضها وآلامها وراضية سعيدة برغم شظف العيش وقسوة الحياة،أقدم أمي نموذجا لزوجاتنا وأخواتنا اللآئي توفر لهن كل شيء من زينة الحياة الدنيا،ومع ذلك انتشر الطلاق والشقاق،وأصبحت المحاكم في حرج شديد من كثرة القضايا الزوجية،وخاصة بين شباب المتزوجين،كانت أمي تدير البيت بلا مقومات حقيقية،وكان من نوادرها التي كنت أحكي لأخواني عنها في أيام الجوع في المعتقلات قصة الديوك،كان اللحم نادرا وجوده،فإذا ما أكرمنا الله بدجاجة أصيبت بحجر طائش أو مقصود من أحدنا،وكتب الله لها حسن الخاتمة في بيتنا ،وقامت أمي بطبخها فبدلا أن تشعر بالوحدة القاتلة في الوعاء الكبير تضع معها كثيرا من البصل ،وكانت تسميه ونسميه ديوكا،فإذا ما طلب أحدنا – وكنا خمسة ثلاث بنات وولدان – شيئا من هذه الدجاجة الشهيدة عللتنا أمي بديك من ديوكها – البصل – حتى يأتي أبي رحمه الله في المساء،لنجلس جميعا على الطبلية ونتناول عشاءنا سويا وكان أبي رحمه الله يؤثرنا بجزء كبير من نصيبه،أما أمي فكانت لاتأكل إلا جناحا،وتطعمنا وهي التي تكابد الأمرين طوال اليوم في البيت والحقل.
أمثل هذه تشتم أو تضرب فضلا عن أن تقتل؟
يا من لاتعرف قيمة أمك انظر إلى أمهات المعتقلين ،حين كانت تأتي الأم المسنة الواهنة المريضة من أسوان إلى سجن الحضرة أو دمنهور تحمل على رأسها الزيارة،تتعثر في مشيتها،لاتجد من يأخذ بيدها،يتطاول عليها السفهاء من السجانين،بل ربما تسب في عرضها وتلطم على وجهها،من أجل ولدها بل من أجلنا جميعا،واسمع بقلبك أيها العاق لواليك هذه القصة الواقعية جاءت أم لزيارة ولدها في سجن الوادي الجديد ،وكان من أبشع السجون في كل شيء،وكان السجانون – قبح الله الظلمة – يأمرون المعتقلين بالجلوس على الأرض بعد انتهاء الزيارة ،والتي لاتستغرق دقيقة أوثلاثا على الأكثر ،فظنت إحدى الأمهات أن الأرض قد ابتلعت ولدها فما تحمل قلبها ووقعت ميتة في الحال،أفمثل هذه تهان أو تقتل؟
الحديث عن الأم حديث ذو شجون،لايمل القلب منه أبدا،فاللهم ارحم أمهاتنا وآباءنا،وارزقنا برهم أحياء وأمواتا.