عبير الحياة
بقلم الدكتور/أحمد زكريا عبداللطيف
يمضي قطار العمر سريعا دون توقف , وفى لحظة مباغتة يجد الإنسان نفسه قد أوشك على الوصول دون أن يحصل زادا كافيا للرحلة الباقية الخالدة.
زاحمتنى هذه الأفكار بعد أن فوجئت بدخولى إلى المحطة الخامسة والأربعين من عمرى , وإذا بى وقد علانى الشيب وضعفت القوى , وما زالت الدنيا تلعب بنا , والذنوب تحيط بنا من كل جانب , فمتى تذهب السكرة وتنجلى الغمة وننتبه لرحلة الآخرة ؟ تأتى هذه المرحلة الحرجة من أعمارنا , ونحن فى السجون نشارك الآلاف من الشرفاء من أبناء هذا الوطن المبتلى على مدى التاريخ.
وفى حقيقة الأمر لا يشغلنى كثيرا أمر السجون؛ إذ هو من أجل الصدع بالحق والتمسك بالمبدأ, فأنا على ثقة بقرب الفرج والنصر وزوال الظلم , وهذا يقين جازم فى نفوسنا جميعا , وكل دروسنا وأحاديثنا ترسخ هذه المعانى فى نفوس الشباب والشيوخ , ولكن العقبة الكؤود التى أراها فى طريقى وأنا اقترب من الوصول إلى الله عز وجل هى كيف ألقاه وبأى زاد أقدم عليه وبأى وجه أنظر إليه ؟
كلما استرجعت شريط حياتى الماضية وتفحصت المحطات الأربع والأربعين أسقط فى يدى , وشعرت بالرهبة والوجل الشديد من التفريط العظيم فيما مضى , وكثرة الجرأة على محارم الله مع عظيم حلمه وستره ولطفه على , أرانى فى أمس الحاجة إلى رحمات الله متشوقا إلى لمسة حانية من يدى الرحمان الرحيم تغير بوصلة قلبى , وتحول مساره إلى الحياة السرمدية.
وأنا أسأل كل من يقرأ كلماتى هذه التى أرسلها من غيابات السجن ظلماً أن يدعو لى بإخلاص أن يهدى الله قلبى , وينير بصيرتى , ويدهمنى الزهد فى الدنيا وإيثار الآخرة .
هذه خاطرة قلب تجرد من متاع الدنيا , وأراد أن يصدق نفسه , ويردها إلى رشدها وحقيقتها , فلا تغتر بمدح المادحين أو تظن أنها قدمت الكثير والكثير لهذا الدين , وفى حقيقة الأمر ما قدمت شيئا , إذ كل ذلك فى جنب الله قليل.