د أحمد زكريا عبد اللطيف
يؤلمنا أننا عاجزون،تستغيثون فلا نجيب،تستنصرون فلا نتقدم،تستغيثون فلا نغيث،حتى الدعاء بنصركم على اليهود المجرمين أصبح جريمة في إعلام بلادنا،بل أصبح مجرد ذكر جهادكم أمام المنبطحين في بلاط اليهود إرهابا يعاقب عليه قانون المنبطحين والمتخاذلين من ملوك ورؤساء العرب.
فصُور الدماء والأشلاء في غزة لم تفارقْنا ، وقد نقلتْها لنا مختلف وسائل الإعلام والقنوات الفضائية؛ لتبقى شاهدة مشهودة؛ بل تابَعْنا تدميرًا وإرهابًا على المباشر، يتبعه ويتلوه صراخ وعويل لنساء وأطفال؛ بل لرجال أحيانًا، فلم يملك أحدنا إلا دمعةً حارة يسحُّها على خَدَّيْه، أو يدًا مرتعشة يضعها على رأسه، وهو يرى عِزةً في غزة تُنتهكُ حرمتها، ومعاناة تُعالَج بالقنابل، وظلام تُضاف إلى سواده الآلام، ثم لا يدَ حانيةً تمسح دمعة يتيم، ولا كلمة قوية تخزي ظلم ظالم، وكأن بأخبار اليوم أضحت قصصًا ماضية، وكأن بصيحة الجسد المجروح وُجهت لضمير مفقود.
سَقَوْا فِلَسْطِينَ أَحْلاَمًا مُلَوَّنَةً وَأَطْعَمُوهَا سَخِيفَ القَوْلِ وَالخُطَبَا
عَاشُوا عَلَى هَامِشِ الأَحْدَاثِ مَا انْتَفَضُوا الأَرْضُ مَنْهُوبَةً وَالعِرْضُ مُغْتَصَبَا
وَخَلَّفُوا القُدْسَ فَوْقَ الوَحْلِ عَارِيَةً تُبِيحُ عِزَّةَ نَهْدَيْهَا لِمَنْ رَغِبَا
لكم الله يا أهل الشموخ في غزة الباسلة، لا نملك وقد رأينا معاناتِكم في عالم أعمى، وسمعنا صراخكم في دنيا صماء؛ إلا دعاءَ الله الواحد الأحد، ناصر المستضعفين، ومجيب دعاء المضطرين، أنْ ينصركم على عدوِّه وعدوكم، وأنْ يُريَنا مصارع القوم المعتدين تتوالى، كما رأينا صواريخهم تُضرب على الشعب المرابط.
إنها حلقة أخرى تُضاف إلى تاريخ فلسطين خاصة، والعالم الإسلامي عامة، قد شاهدناها بعيون حائرة، وتابعناها بقلوب ثائرة، كلنا قد تحول حينها إلى طائر يَودُّ أن يجنح إلى أرض الرباط، أو فارسٍ يسير بفَرسه إلى ساحة الوغى، لكنها أحلام سرعان ما تتلاشى تحت ظل واقع، يبشر بحلقات أخرى مِن معاناة لا تنتهي، إلا أن يشاء الله.
لكن لا ينبغي مع ذلك الانحناءُ والانزواء، وردُّ المشاكل إلى غيرنا؛ لنتحول إلى مساحة فارغة لا تُحسن إلا العويلَ والتباكي، وإن الحلول والله لكثيرة، علاوة على الحل العسكري، الذي اتخذه إخواننا في حركة حماس المجاهدة وسائر فصائل المقاومة خيارًا إستراتيجيًّا؛ ليقاتلوا بذلك العدو الصهيوني نيابةً عن الملايين من المسلمين.
أولا:تصحيح المعتقد:
فإن الأساس الذي يُحذَر من التفريط فيه تثبيتُ الأمة على العقيدة الصحيحة، المستمدة مِن الكتاب والسنة، وتعريفها بكلمة التوحيد وأصول الإيمان، وتحذيرها مِن مغبة الشرك بكل أنواعه، مِن ذلك الحذر مِن الاستعانة والاستغاثة بغير الله في هذه الظروف القاسية، ذلك أن الله إنما وعد بالنصر لمن نصره واستنصر به؛ حيث قال – سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، وقال – سبحانه -: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]، وكذلك ضرورة الحِفاظ على كل أركان الإسلام وواجباته، ولنتأمل – رحمكم الله – كيف أوصى الله بالصلاة، وأرشد إليها، حتى في ظل المصائب؛ حيث قال – سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
وإن المعاصي مِن أسباب الخذلان والهزيمة، ومَن انهزم روحيًّا، لا شك أنه منهزم عسكريًّا لا محالة، فالبداية إذًا مِن الروح، ولعل في غزوة أُحد خير عِبرة.
أما التسلح بالصبر والدعاء، فهما مفتاحا التوفيق والثبات، إذا أُحسنت آدابهما، وتُحلِّي بهما في كل حين، شدةً ورخاءً.
وليس هذا أمر أهل فلسطين خاصة؛ بل لأمة الإسلام عامة؛ فإن أجساد المسلمين جسد واحد، وقلوبهم قلب واحد، يتضرر الكل بتضرر البعض، ويصح الجميع بصحة الجماعة.
ثانيا: دور العلماء والمثقفين:
ولعلماء الأمة الدور الرائد فيه؛ فإن ثقة الأمة فيهم لعظيمةٌ، ويجب أن يكونوا على مستوى الثقة التي وُضعت فيهم، وكل أحداث الأمة العظيمة عادة ما تجعل العيون مُصَوَّبة، والأعناق مُشْرَئبة، والآذان مصغية إليهم، ولا يجوز أن يتخلف الشهداء إذا ما دُعُوا، وإذا كان على الحكام تنفيذ الحق، فعلى هؤلاء بيانه أولاً، وكلمة حق مِن عالم أشدُّ مِن الرمي بالصواريخ؛ فإن الكلمة تحرك الروح، والروح تدفع الجسد، والجسد يرفع الظلم ويُحرر البلاد.
ثالثا: دعم المقاومة:
الجهادُ ذروة سنام الإسلام، به يُدفع الإذلال عن الأمة، وتُحفظ عزَّتها، وهو جارٍ عمليًّا وميدانيًّا، سواء بانتفاضات متكررة، أو ضربات وعمليات تهز الكيان الصهيوني بين الفينة والأخرى، وتعده بالمزيد، فإن الذي زعزع أمن أمة بأكملها، لا حق له في أمن ساعة في أرضٍ دخلها عنوةً، ومَن دخل أرضًا بالقوة، لن تُخرجه إلا القوة.
فعلينا جميعا بتأييد مواقفهم في حرب العدو الصهيوني،والتأكيد على حق فصائل المقاومة في استخدام كل الوسائل الممكنة لمواجهة المغتصب،والافتخار بذلك لا محاولة التنصل منه،بل يجب على الجميع عدم الاكتفاء بالشجب والإدانة بل إمداد المقاومة بكل ما تحتاجه من دعم عسكري ،فهم عن شرفنا الضائع يدافعون،ومن مذلة حكامنا ومهانتهم يتطهرون.
رابعا: فتح المعابر وفك الحصار:
لا شك أن الحصار الظالم المضروب على غزة قد أضرَّ كثيرًا بالشعب هناك، والناس في صبرهم يتفاوتون، والعدو الصهيوني ما رمى بضربه هذا إلا إلى تركيع المقاومة،والعجيب أن يكون حصار غزة بأيد عربية مصرية،وهذا والله عار الدنيا والآخرة.
إن حدود فلسطين ليست معبرَ رفح وحده؛ بل هناك حدود ممتدة، ومعابر أخرى، فيجب على البلدان المتاخمة لأرض فلسطين أن تُسعف أبناءها وإخوانها مِن هذه البلاد، ولا يعني هذا نسيان مشكلة معبر رفح؛ بل يجب أن يُعاد فتحه عاجلاً، قبل حلول الكارثة الإنسانية التي حذَّر منها الغرب نفسه؛ إذ لا معنى في أنْ يُجلد شعب أعزل بأكمله؛ بسبب أن قَدَره كونه من غزة، وهذا التعجيل تُمليه القوانين الدولية، علاوة على روابط الأخوة الإسلامية والعربية.
الحل الخامس: الحل السياسي:
الجانب السياسي لا ينبغي أنْ يُستهان به؛ فإنه وإن كان لا يرفع الأزمة كلية، فسوف يساهم في تخفيفها على الأقل، ما روعي فيه روح العزة والكرامة، أما مفاوضات الشروط المسبقة من العدو، وحوارات الخضوع والاستسلام، فلن تزيد فلسطين إلا وهنًا، ولن تزيد الصهاينة إلا قوة، فإن هؤلاء اشتهروا عند العام والخاص برميهم من خلال المؤتمرات والمفاوضات المنعقدة معهم إلى تلميع صورتهم، وربحهم الوقت، ووضع أصحاب الحق في صورة الإرهابيين الذين لا يبتغون سلمًا ولا سلامًا.
ورأينا الموقف الناصع للدكتور محمد مرسي – فرج الله كربه – عندما صرخ كالأسد الهصور:غزة منا ونحن منهم.
كيف انكسر العدوان،وأذعنوا لوقف النار.
على جميع الشعوب العربية والإسلامية أن يدركوا أن القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وأن أحداث غزة ليست مشكلة حماس وفصائل المقاومة وحدهم،بل إن القضية قضية كل مَن شهد لله بالوحدانية، ولنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – بالرسالة، ولن يقر لأمة الإسلام قرارٌ، ولن يهدأ لها بال، ما دام هذا الجسد السرطاني الإسرائيلي في قلبها، وإن الله سائلنا، وسائلٌ أصحابَ القرار عن كل دم فلسطيني أهدر بغير حق، وعن كل دمعة ذُرفت تحت الظلام، وعن كل صرخة شُقَّ بها الفضاء، وإنْ عهد صلاح الدين قد ولَّى، ولكن الأمة التي أنجبت أمثال صلاح، ما زالت حيَّة، فأبشِري يا دولة الطغاة والطغيان بما يسوءُكِ مِن الطوفان، فإن التاريخ لا يُقدر بزمن، والزمن في رحمه مفاجآت، وإن أنصاركم أنصار لمصالح عابرة، وأنصارنا أنصار لعقائد ثابتة، وإنْ ربحتم معركة اليوم، فإنكم ستخسرون حرب الغد، ولسوف يكون ختامُها نورًا ونصرًا وعزَّة للمسلمين، ونار وخيبة وذِلة لليهود المعتدين، وإن قتلانا لفي الجنة، وإن قتلاكم لفي النار، والله أكبر على مَن طغى وتجبَّر، وهو نعم المولى ونعم النصير.