- د/ عصام دربالة رحمه الله
جعل الإسلام من الجهاد ذروة السنام فى بنيانه , لِما يلعبه من دور حيوي فى حفظ البنيان من هجمات الأعداء وما يقوم به من تحرير إرادة الناس للإطلاع على الإسلام بحرية دون إكراه .
والجهاد فى سبيل الله بذلك يكمل منظومة الأحكام الشرعية التى جاء بها الإسلام لمعالجة الواقع وتنظيم الحياة .
وكون الجهاد حكماً شرعياً يرتب على الفور نتيجة هامة ألا وهي : أن ضوابطه ومجالاته وأحكامه التفصيلية وأسبابه وشروطه وموانعه سوف تؤخذ من مشكاة الوحي لا من دواوين الحماسة أو ثورات النفوس الغاضبة أو هوى القلوب العابثة .
وكون الجهاد حكما شرعيا يعني عدة أمور :
– أولا : إن الجهاد من حيث الأصل يندرج فى فروض الكفايات التى إذا ما قام بها البعض من المسلمين سقط الإثم عن غيرهم , وهذا أمر منطقي يتسق مع رؤية الإسلام فى توظيف قدرات الأمة وهو ما أكَّدَه قوله تعالى { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }[1]
ومن العجب أننا نجد اليوم من يوجب ليس الجهاد فحسب على كل الأمة الإسلامية من الصين شرقا حتى المغرب غربا بل يجعل التدريب على القتال والأسلحة فرض عين على كل مسلم ومسلمة .
– ثانيا : إن الجهاد فى سبيل الله قد يتعين فى مواضع حددها العلماء , وهذه المواضع هى :
– مداهمة العدو لديار الإسلام ,
– وعلى من شهد القتال ,
– وعند التحام الصفوف ,
– وعلى من يعينه الإمام ,
– ولاستنقاذ أسرى المسلمين .
– ثالثا : إن الجهاد فى سبيل الله كحكم شرعي تتطرق إليه الأحكام التكليفية الخمسة أعني ( الوجوب , والاستحباب , والحرمة , والكراهة , والجواز ) وذلك سواء كان الجهاد يقع فى جهاد الدفع أو الطلب , أو كان فرضاً عينياً أو كفائياً , والذى يحدد ذلك مدى توفر الأوصاف الشرعية التى علَّق الله سبحانه على توفرها إنفاذ الجهاد , ومدى تحقق المصالح المرجوة من وراء إنفاذه .
– رابعا : إنَّ القول بإنفاذ الجهاد يَستوجِب توفر عدة أمور هي :
– السبب الشرعي المبيح له ,
– والشروط الشرعية المتطلبة لإنفاذه ,
– وإنتفاء الموانع التى تمنع منه ,
– وغياب أيٍ من هذه الأوصاف يمنع من إنفاذ الجهاد ويخرجه من الوجوب , وقد يدخل فى عداد الممنوعات .
– خامسا : إن الجهاد فى سبيل الله تنطبق عليه القاعدة الشرعية[2] التى تقرر :
” كما شرع الله الأحكام شرع مبطلاتها وروافعها ” فحكم الجهاد شرعه الله فى مواضع وجعل له روافع ترفعه , وذلك مثل عقد الذمة يرفع حكم الجهاد من عقدها من أهل الكتاب مع المسلمين .
– سادسا : إن أحكام الجهاد التفصيلية تتنوع بتنوع أصناف الذين أباح الإسلام قتالهم فلا يصح معاملة كل الخصوم معاملة الكفار رغم وجود فارق بينهم وبين الكفار , ولذلك فإن الشريعة جعلت أحكاما متميزة لكل صنف من هذه الأصناف , ومن هنا نجد كتب الفقه تعقد فصولا لأنواع القتال :
– قتال الكفار , قتال المرتدين , قتال أهل الكتاب , قتال البغاة …. الخ
– سابعا : إن الجهاد فى سبيل الله يرتبط ارتباطا جوهرياَ بأمرين هامين هما :
1ـ القدرة على إنفاذه , وهو ما يوجب التأكد من توفرها , لأن إهمال ذلك لا يعني سوى الدخول فى مغامرات تدفع ثمنها الأمة وأبنائها دون طائل من ورائها .
2ـ تحقيق المصالح المعتبرة شرعاً ودرء المفاسد القائمة والمتوقعة , والمصالح المقصودة هنا ليست المصالح الشخصية حتى لو كانت سامية ( كنيل الشهادة ) إنما هي المصالح الجماعية للأمة والتي لا يصح إضاعتها أو تعريضها للخطر للحصول على مصلحة لبعض الأفراد ولو بالاستشهاد الذي قد تخلفه مفاسد تؤثر سلبا على حاضر ومستقبل الأمة بأسرها .
وبالنظر للدلالات السابقة سندرك أن تنزيل أحكام الجهاد الشرعية على الواقع المعاش لا بد أن يُسْنَد لأهل العلم والإجتهاد إذا ما أردنا إنفاذا صحيحاً للجهاد يحقق المصالح ويدرأ المفاسد ويحقق الرضوان والقبول للمجاهدين من ربِّ العالمين .
[1]) التوبة / 122
[2]) راجع هذه القاعدة في “الفروق” للعلامة القرافى المالكي ج1 ص76