بقلم / علاء العريني
ألا يمكننا القول بأن الإعجاز التربوي القرآني استطاع أن يخرج من قبائل العرب المتصارعة في الجزيرة العربية أمة لأول مرة في تاريخها وليس أي أمة إنما خير أمة أخرجت للناس؟
لقد كانت القبائل العربية تجمعها روابط كثيرة لكنهم عجزوا أن يكونوا أمة واحدة فهذه القبائل تتكلم لغة واحدة وفي أرض جغرافية واحدة متصلة الجنبات وعقائدها واحدة من حيث أنها جميعا تعبد الأوثان والأصنام.ومتقاربة العادات والتقاليد ولكنها مع ذلك لم تكن أمة ومن كثرة النزاعات والثارات لم تفلح أن تجتمع وتتقارب على أمر عام تلتقي عليه وتتجمع.
اجتمع بعضها على تشكيل حلف الفضول وكان هدفا نبيلا لدفع العدوان وردِّ الحقوق ونصرة المستضعفين لكن لم يكن ذلك بدافع إقامة أمة واحدة أو دولة.
ويتنزل القرآن ليربيهم على مفاهيم وقيم تدفع بهم ليتركوا كل شيء يمُتُّ للجاهلية بصلة ولتبدأ عملية إعداد أمة واحدة من خلال منهج تربوي رباني صيغ من خلال آيات القرآن الكريم يخاطب هذه القبائل المتناحرة ولتتشكل من مجموعها أمة هي خير أمة أخرجت للناس(واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..)آل عمران:103
ـ كل الدعوات القومية والإقليمية وغيرها لتوحيد العرب لم تفلح ولن تفلح ولن يوحدها ويجمع شتاتها مجددا إلا عقيدة التوحيد وقيم القرآن الكريم.
ـ لقد كان على رأس قائمة الاهتمامات في الخطاب التربوي القرآني هو الإيمان بلا إله إلا الله وما تعنيه مقتضياتها، وتبعها ترسيخ الإيمان باليوم الآخر وما فيه من جنة ونار وحساب وجزاء.
وذلك لأن أهم ما تقوم عليه حياة الناس على الوجه الصحيح والسليم هو العقيدة.
ـ لقد أنقذ الاسلام هذه الأمة من أكبر ضلالة وقعت فيها البشرية في تاريخها الطويل وهي ضلالة الشرك بالله الخالق فالشرك ضلال للقلب وتغييب للعقل.
ـ ولقد اعتمد المنهج االتربوي القرآني في بناء العقيدة على عدة أمور أولها ترسيخ الإيمان بالله وحده من خلال أسلوب تكرار ذكر أسماء الله الحسنى وصفاته سبحانه وتعالى لترسيخ الإيمان في نفوس المؤمنين وكثيرا ما ترد في نهايات الآيات لما في ذلك بناء الركيزة الأهم في شخصية المسلم فالعقيدة حين تبنى في صورتها الصحيحة في القلوب تصبح النفوس مهيأة للتلقي من عند الله والالتزام بما جاء في دين الإسلام وهذه هي التربية التي يهدف إليها القرآن الكريم.
ـ كما اهتم المنهج التربوي في القرآن بالإيمان بأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدا وهاديا إلى صراط مستقيم .
ثم يتبع ذلك تربية المؤمنين على القيم الاجتماعية والأخلاقية وربطها بالعقيدة بآن واحد.
ولقد هيأت هذه التربية القرآنية الصحابة لأن يكونوا مستعدين للقيام بواجب الجهاد والتضحية من أجل دينهم وأمتهم فكانوا نعم المجاهدين الفاتحين.
وأمر آخر استطاع المنهج التربوي القرآني إنشاء الإنسان الصالح فضلا عن المواطن الصالح .فالإنسان الصالح بضوابط دينه فيه الخير لأمته ولكل إنسان على وجه الأرض .المواطن الصالح في عرف الروس هو الجندي الروسي الذي يقتل الشعب السوري بقذائفه وطائرته طاعة لقيادته فهو مرتبط بوطنيته وليس بانسايته
وقد اتبع المنهج التربوي القرآني أسلوب الترغيب والترهيب في خطابه وتوجيهاته ليهتدي الإنسان إلى ربه فيعبده حق العبادة ويطيعه حق الطاعة فيستقيم حاله في الدنيا والآخرة ويكون من الفائزين.
لقد كانت ميزة هذا المنهج القرآني أيضا هو أن تتحول مفاهيم العقيدة وقيم الدين إلى واقع وسلوك عملي في واقع الحياة وهذا ما غاب إلى حد ما عن حياة المسلمين اليوم.وطرحت مفاهيم العقيدة طرحا نظريا بعيدا عن التربية المطلوبة منها.والسبب هو الخلل في المنهج التربوي الذي نسلكه في الدروس الشرعية والخطب.
وأخيرا: لاشك أن وجود شخص النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين كان له الأثر العظيم في تربية الصحابة فكان هو المثل الذي يقتدى به يرونه أمامهم والذي تجسد فيه ما جاء في القرآن من توجيهات وتعليمات حتى لتقول عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم تجيب:كان خلقه القرآن الكريم.
لابد من البحث والاهتمام أكثر مما سبق في تبني الخطاب التربوي القرآني في حياة المسلمين ليصلح حالهم ويخرجوا من النزاع والفرقة والاستضعاف الذي يعيشونه.