القائمة إغلاق

الدعوة من ميثاق العمل الاسلامي

مضى رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى ربه بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وإنا لنشهد على ذلك وتشهد الملايين من الناس من قبلنا ومن بعدنا، وبقي علينا أن نحفظ الأمانة، أن نعيش كما كان صلى الله عليه وسلم يحيا، أن نظل ما بقينا دعاة إلى الله تعالى، أن يكون غدونا ورواحنا صباحنا ومساؤنا، وكلامنا وعملنا دعوة إلى الله تعالى، وإن أوذينا، وإن ضيق علينا، وإن قوتلنا، فلا يمنعنا ذلك ويصدنا كما لم يمنع نبينا ولم يحجزه عن الدعوة لدينه ولربه.

وإنه لشرف عظيم ذاك الذي نحوزه، وإنها لمنزلة رفيعة تلك التي ننزلها إن نحن كنا من قافلة الدعاة إلى الله، {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33].

يكفينا أن نكون بذلك سائرين خلف نبينا صلى الله عليه وسلم القائل: (نضر الله إمرءا سمع مقالتي فوعاها) [رواه البخاري].

والقائل: (فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) [رواه البخاري].

ورحم الله ابن الخطاب القائل: (الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وضال قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس، فلا تقصر عنهم فإنهم في منزلة رفيعة).

وإن الإعراض عن هذا الفرض إعراض عن الله ورسوله، ونكول عن تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا، فلقد بين علماء أمتنا سلفا وخلفا أن “الدعوة” إلى الله تعالى فرض على الكفاية إذا قام به من يتحقق به المقصود من البيان والبلاغ والإعذار والإنذار ودحض الشبهة بالحجة وإلا أثم كل قادر على ذلك إن لم يفعل.

وإن فريضة “الدعوة” إلى الله لتتأكد في هذه الأزمان وإن الحاجة إليها لتزداد بازدياد بعد الخلق عن ربهم، وازدياد وشراسة الدعوات الباطلة الهدامة التي تمكر لصرف الخلق عن دينهم وعن ربهم.

إن الجاهلية من حولنا قد نجحت في إعداد وصياغة مبادئها ونظرياتها وعقائدها وشعائرها وشعاراتها ومثلها العليا وثقافاتها، ونجحت في تحقيق سيطرتها وإحكام قبضتها على كل المجتمعات القائمة اليوم فوق سطح الأرض، نجحت في أن تجعل مجتمعاتنا نحن المسلمين تدين لها وتدور في فلكها، تدعو لفهمها ومنهجها، وتتشرب بعاداتها وتقاليدها وترتضي قيمها ومثلها، وتحولت مجتمعاتنا بكل ما تملكه من مؤسسات وأجهزة، وأنظمة إلى أبواق دعاية للجاهلية، وأينما ذهبت تلاحقك هذه الدعوة، في البيت والمدرسة في الشارع وديوان العمل، في البرلمان ودور القضاء، على صفحات الجرائد وعبر الإذاعات، تجدها دعوة صريحة وقبيحة للجاهلية التي نجحت في انتزاع الناس من فطرتهم لتلقي بهم في غياهب الكفر والنفاق أو الابتداع والفسق إلا من رحم ربك، وقليل ما هم!

التعليقات

موضوعات ذات صلة