د أحمد زكريا عبداللطيف
هو البطل الذي حقد عليه الجهلاء ,وتطاول عليه السفهاء،فلم يلتفت لهم ،بل صار هو النجم ،وهم إلى مزابل التاريخ داخلون.
إنه الملك المظفر الذي أعلى مذهب أهل السنَّة والجماعة، وقمع بدع الفاطميين الشيعة، الذي سرى عشق القدس في دمه وفي كيانه؛ حتى صار حلمه الأوحد هو تحرير بيت المقدس من يد الصليبيين الغزاة، والذي ترجمته مقولته الشهيرة: (كيف أضحك والقدس أسير؟!)، فكان له ما أراد بفضل الله وعونه، إنه البطل المغوار والقائد الأشم: صلاح الدين الأيوبي.
مولده ونشأته: وُلد صلاح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت لما كان أبوه وعمه بها، والظاهر أنهم ما أقاموا بها بعد ولادة صلاح الدين إلا مدة يسيرة، ولكنهم خرجوا من تكريت في بقية سنة 532هـ التي وُلد فيها صلاح الدين أو في سنة ثلاثة وثلاثين؛ لأنهما أقاما عند عماد الدين زنكي بالموصل. واتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من “دوين”، وهي بلدة في آخر أذربيجان، وأنهم أكراد روادية، والروادية بطن من الهذبانية، وهي قبيلة كبيرة من الأكراد (وفيات الأعيان، ابن خلكان، (7/139)). العوامل المؤثرة في شخصيته: تربى صلاح الدين في بيت للجهاد والقتال في سبيل الله؛ فقد رضع الشجاعة منذ نعومة أظافره من أبيه أيوب بن شادي، ومن عمه أسد الدين شيركوه، ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه وعمه حتى ترعرع، ولما ملك نور الدين محمود دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته، وكذلك ولده صلاح الدين. وكانت مخايل السعادة عليه لائحة، والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة، ونور الدين يؤثره ويقدمه، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير، وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد. شخصيته وفكره: من الملامح الواضحة في شخصية صلاح الدين شغفه بالجهاد، قال القاضي ابن شداد: “وكان رحمه الله شديد المواظبة على الجهاد، عظيم الاهتمام به، ولو حلف حالف أنه ما أنفق بعد خروجه إلى الجهاد دينارًا إلا في الجهاد، وفي الإرفاد لصدق، وبر في يمينه، ولقد كان الجهاد قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيمًا، بحيث ما كان له حديث إلا فيه، ولا نظر إلا في آلته، ولا اهتمام إلا برجاله، ولا ميل إلا إلى من يذكره، ويحث عليه، ولقد هجر في محبته الجهاد أهله وولده ووطنه وسكنه، وقنع بالدين بالسكون في ظل خيمة تهب بها الرياح يمنة ويسرة، وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد” (الروضتين في أخبار النورية والصلاحية، أبو شامة المقدسي، (2/221-222)).
وكان من أهم صفاته رحمه الله حبه للعلم والعلماء، وتقريبه إياهم من مجلسه، واحترامهم واستشارتهم وإعطاؤهم المكانة اللائقة بهم، وإحياء المدارس وحضور مجالس العلم، بل إن السلطان صلاح الدين كان يذهب إلى الإسكندرية مصطحبًا معه ولديه علي وعثمان لحضور مجلس الحافظ السلفي (الدولة الفاطمية، علي محمد الصلابي، ص(127)). ويقول القاضي ابن شداد: “وكان يجلس للعدل في كل يوم اثنين وخميس، في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة، وكان يفعل ذلك سفرًا وحضرًا” (أيعيد التاريخ نفسه؟ د.محمد العبدة، ص(94)).
وكان رحمه الله زاهدًا في الدنيا؛ ولذلك لم يخلف أموالًا ولا أملاكًا لجوده وكرمه وإحسانه إلى أمرائه وغيرهم، وحتى إلى أعدائه، وكان متقللًا في ملبسه، ومأكله، ومركبه، وكان لا يلبس إلا القطن والكتان والصوف. كما كان مهتمًا بالعلوم في اللغة والأدب وأيام الناس، وكان يحفظ ديوان الحماسة لأبي تمام. وكان مواظبًا على الصلوات في أوقاتها في الجماعة، يُقال: إنه لم تفته الجماعة في صلاة قبل وفاته بدهر طويل، حتى ولا في مرض موته، كان يدخل الإمام فيصلي به، وكان يتجشم القيام مع ضعفه. وكان رقيق القلب سريع الدمعة عند سماع القرآن الكريم، والحديث الشريف، وكان مع ذلك ضحوك الوجه كثير البشر، لا يتضجر من خير يفعله، شديد المصابرة على الخيرات والطاعات (البداية والنهاية، ابن كثير، (12/6-7)).