استدعي عمر رضوان الله عليه عثمان وعلي ليستشيرهما في رسالة جاءته من قائده أبي عبيدة بن الجراح بحاضرة الشام .. لقد حاصر المسلمون بيت المقدس فأبي بطريركها أن يسلمها للمسلمين بعد طول حصار إلا أن يتسلمها الخليفة نفسه .. ورغم اعتراض بعض القادة وعلي رأسهم خالد بن الوليد وإصرارهم علي فتحها عنوة إلا أن أبا عبيدة أبي وأرسل في ذلك لأمير المؤمنين. وهاهما صاحبا الخليفة يختلفان اختلاف أصحاب أبي عبيدة .. وها هو عثمان يري رأي خالد أن ينتظر أن تفتح عنوة ليكون ذلك أهيب للخليفة وأذل لأعدائه بينما يذهب علي رضي الله عنه أن يذهب عمر ليقضي حاجات جنده ويرفع من روحهم ويخفف عنهم بعدما أنهكتهم الحرب .. وهوي عمر كلام علي فاستخلفه علي المدينة وأمر بإعداد الموكب العمري المصاحب له في السفر. كان عمر رضوان الله عليه هو حاكم القوة العظمي الأولي في عالم ذلك الوقت .. تلك القوة التي قهرت الفرس والروم ووضعت قدم الخليفة فوق أعناق جثتيهما وكان ذاهباً ليتسلم حاضرة الشام وأعظم مدنها المقدسة فتحاً ونصراً وبالتالي فقد كان طبيعياً أن يعد له موكب يليق بشخصه ويليق بهذا الفتح العظيم. كان مركبه بعير وحيد يتعاقبه هو وعلامه طوال الطريق.. وكان فراشهما أدم حشوه ليف يجلسان عليه وينامان فوقه .. أما ثوبه فمرقعة .. أي والله مرقعة .. فيها أربع عشرة رقعة وهكذا سار الموكب العمري تجاه الشام.وفي الشام خرج قادة الجند يستقبلون قائدهم الأعلي وقد ركبوا البراذين الخيول التركية ولبسوا الديباج وقد ظهرت عليهم آثار النعمة من غنائم انتصاراتهم وفتوحهم .. وأخذوا يتشوفون إلي الطريق يبحثون عنه ومن بعيد ظهر راكب تلوح صلعته للشمس ليس عليه قلنسوة ولا عمامة تصفق رجلاه بين شعبتي الرحل بلا ركاب ثم إاذابه ينزل وقد جاءت نوبته في المشي ويأمر غلامه بالركوب ويعزم عليه لما تمنع أن يركب واقترب منهم عمر وهو يجر البعير وعليه خادمه وقد شمر مرقعته ليخوض مخاضة ماء اعترضتهما. يا الله .. إنه عمر بن الخطاب جاء من المدينة وها موكبه ليتسلم ثمار النصر سارعوا إليه يلتفون من حوله فما أن رآهم حتي حثا في وجوههم التراب فاعتذروا إليه بأنهم يلبسون السلاح تحت ثيابهم. نظر أإبو عبيدة إليه وقال ” يا أمير المؤمنين لقد صنعت اليوم عظيماً عند أهل الأرض صنعت كذا وكذا ” في إشارة للباسه وبعيره والمخاضة فصكه عمر في صدره وقال ” لو غيرك قالها يا أبا عبيدة .. إنكم كنتم أذل أهل الأرض وأحقر الناس وأقل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز في غيره أذلكم الله”. وجلس عمر رضوان الله عليه مع جنده وعزم علي بلال أن يؤذن للصلاة وكان رضي الله عنه قد امتنع عن الأان منذ مات النبي صلي الله عليه وسلم فأذن بعد إلحاح فأبكي كل من حضر من الصحابة وقد اعادهم صوت بلال إلي أيام النبي صلي الله عليه وسلم التي طواها الزمن. ولما تأهب رضوان الله عليه للسير وتسلم المدينة قالوا له ” أنت ملك العرب وهذه البلاد لا تصلح بها الإبل فلو لبست غير هذا وركبت برذوناً لكان ذلك أعظم في أعين الروم “. فاستجاب عمر لإلحاحهم ووضع علي كتفيه منديلاً من كتان جاءوا به إليه وركب برذوناً .. فما أن هملج البرذون به هملجة حتي قفز عمر عن ظهره ونزع الثوب الذي أعطوه وقال ” لا علم الله من علمك هذا الخيلاء .. والله ما حسبت الشياطين تركب إلا الآن .. ردوا علي مرقعتي وناقتي كاد أميركم والله يهلك من الكبر ” رحمك الله يا عمر ورضي عنك. وهكذا فتحت بيت المقدس أبوابها المغلقة وتقدم عمر علي بعيره يرتدي مرقعته ومن خلف حشد من رجاله وجنده وتكبيرهم يتصاعد في السماء ويزلزل الأرض. في مثل هذه الايام من شهر رجب للعام السادس عشر من الهجرة كانت أقدام جيوش الإسلام تطأ أرض القدس للمرة الأولي وتعلي فيها راية التوحيد .. وفي مثل هذه الأيام من شهر مايو1948كانت يهود تعلن قيام دولتها وفي مثل هذه الأيام من شهر يونيو 1967 كانت أقدامهم تطأ بيت المقدس وتضمها لدولتهم المزعومة ووسط احتفالاتهم بدولتهم وبنصرهم اذكرهم بهذه الصفحة من التاريخ التي لم تغيبها الأيام. وأذكر بها أيضاً المتساقطين من المسلمين كالذباب علي موائد يهود وأقدامهم. لازال مشهد الخليفة الراشد تفتح له أبواب بيت المقدس يعيس في مخيلتنا .. وسيعود هذا المشهد مرة أخري كما عاد أيام صلاح الدين لما دنس الصليبيون أرض القدس الطاهرة بأقدامهم النجسة طوال منه عام قد يعود غداً أو بعد غد ولكنه حتماً سيعود لأنه موعود الله الذي لا يتخلف أبداً.
الموكب العمري علي أبواب القدس

التعليقات