بقلم د/ أحمد زكريا “
سبحان الله العظيم.. ما أكرم الله!! .. ما أحلم الله!!”
عبارات ترددت على شفتاي.. وتحدثت بمثلها أو قريبا ً منها أفواه الملايين.. عندما أذهلهم هذا الخبر العجيب والذي عشنا زمانا نتندر بحدوثه.. بل أضفناه رابعا ً للمستحيلات الثلاث “الغول.. والعنقاء.. والخل الوفي” وأن يترك مبارك الحكم .. فضلا ًعن أن يحاكم أو يسجن. فهذه فكرة ما توقعها أشد الناس تفاؤلا ً وبشرا ً.. إلا على سبيل الفكاهة والتندر. كنا في المعتقل نتندر بقولنا سيأتي يوم ينادي الشاويش: “محمد حسني مبارك زيارة” . فيجيب السجين حسني مبارك: من جاء ليزورني يا حضرة الصول. فيجيب الشاويش منتشيا بهذه الترقية المفاجئة.. وما يمني نفسه به من بعض اللحوم والفواكه.. وربما بعض الملابس والأموال من زيارة المدعو حسني مبارك. سوزان ثابت جاءت لتزورك .. اجهز بقى على الباب. ويقف حسني ينادي على سوزان من وراء سلك الزيارة.. وهما يذرفان الدموع.. كما ذرفت أمهاتنا وزوجاتنا وأبناؤنا.. بدلا من الدموع دما ً.. وهو يطمئن على أولاده علاء وجمال. فتخبره بأنهم في سجن الوادي الجديد.. وما أدراك ما الوادي الجديد؟.. وتشكو له بعد المسافات وقسوة الطريق وقلة المعين.. فيبكيان سويا ً . فسبحان الله – من حفر حفرة لأخيه وقع فيها – بنوها حصونا وقلاعا للإسلاميين.. فخرج أهل الدين وسكنها مبارك وأولاده ووزراؤه. ابكي يا سوزان .. فكم أهينت أمهاتنا.. وكم فقدنا من آباءنا وأمهاتنا وأحبابنا في رحلاتهم للسجون من الوادي إلى الفيوم إلى النطرون إلى أبي زعبل إلى طرة إلى….. هذا الخبر القصير – كما يقول
شيخنا الدكتور ناجح حفظه الله -: ” لم يكن لمثلي ولا أحد ممن سجنوا في عهد الرئيس مبارك أن يتخيلوه كمجرد تخيل .. أو يتصوروا حدوثه على الإطلاق .. ولو رأوه في أحلامهم لأدركوا أنها أضغاث أحلام”. وهذا درس لكل عاقل.. ألا يغتر بنعمة الله عليه. وألا يستخدم نعم المنعم في التكبر على خلقه.. والتسلط على إيذائهم وظلمهم.
وبرغم التحول المأساوي الذي حدث بعد 3/7/2013،من عودة الإسلاميين للسجون والآلام ،إلا أن العبرة باقية،والسنة ماضية (وتلك الأيام نداولها بين الناس)،وليعتبر الحكام والطغاة فلو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
وليعتبر بقصيدة أبي البقاء – رحمه الله –
لِكُـلِّ شَـيءٍ إِذَا مَا تَـمَّ نُقصَـانُ
فَلاَ يُغَـرَّ بِطِيـبِ العَيـشِ إِنسَـانُ
هِيَ الأُمُـورُ كَمَـا شَاهَدتُهـا دُوَلٌ
مَـنْ سَـرَّهُ زَمَـن سَاءَتـهُ أَزمَـانُ
وَهَذِهِ الـدَّارُ لاَ تُبقِـي عَلَـى
أَحَـدٍ
وَلاَ يَـدُومُ عَلَى حَـالٍ لَهَـا شَـانُ
يُمَزِّقُ الدَّهرُ حَتـماً كُـلَّ سَابِغَـةٍ
إِذَا نَبَـت مَشـرَفِيَّـات وَخرصَـانُ
فسبحان من يملي للظالم .. فإذا أخذه لم يفلته.