لعلنا إن استحضرنا ظروف نشأة “الجماعة الاسلامية” تفهمنا اختياراتها وفكرها ومواقفها.
ـ الذين أسسوا الجماعة يقولون أنها بدأت في الظهور في حدود سنة 1974م أي بعد انتصارات العاشر من رمضان سنة 1393 السادس من أكتوبر 1973 .
ـ الذين عايشوا تلك الفترة يؤكدون أن هذه الانتصارات كانت توفيقا سماويا علويا من العلي الحكيم جمع به شمل المصريين بل الأمة الاسلامية جميعها بعد التمزق وعالج به سبحانه كل آثارهزيمة سنة 1967 .
ـ انتصارات رمضان أحدثت حالة روحانية جهادية إيمانية ووطنية وقومية فريدة دمجت المصريين جميعا ودمجت الأمة كلها وجمعتها على مائدة انتصار عظيم
ـ هذا الانتصار أعلن أسباب الهزيمة هزيمة 67 التي كسرت المصريين بل المسلمين في العالم كله أعلنها بلغة مباشرة مدوية قطعت أي جدل أو شك حولها وأرجعها كلها إلى سبب واحد ولخصَّها في “البُعد عن الله” ومحاربة الدين وأهله والتنكر للشريعة الاسلامية والتمكين للإلحاد والشيوعية! فكنا نسمع ونحن صغار الاستهزاء والسخرية من القرآن والرسول والصحابة والعلماء! وسمعت جارنا الجندي يحكي عن زميله الذي أذَّن للصلاة فحبسوه . وتعجب جارنا : كيف يؤذن في الجيش؟!
ـ 67 كان قد سبقها ماحدث سنة 65 وقبلها سنة 54 حيث أراد عبد الناصر تصفية خصومه “الاخوان المسلمين” فكانت التصفية جائرة وصلت الى مظاهر التدين فخاف المسلمون من التدين حتى أصبح تدين الشاب بل الطفل مبعث قلق والديه عليه إذ فهم الناس أن الدولة ضد الدين والتدين ! فخلت المساجد،واختفى العلماء، فانتشرت الخرافات والبدع، وتفشى الجهل فتشوهت الفكرة عن الدين والتدين.
ـ هزيمة 67 كانت هزيمة لكل العقائد والأفكار والسياسات والقيادات التي سببتها؛ هزمتها وكسرتها وهي في ذروة مجدها وزهوها فقد كانت الشيوعية والاشتراكية موجة فكرية زاهية مبهرة للشباب العربي، وكانت القراءة في الفكر الشيوعي علامة التحضر، والتحدث بالإنجليزية علامة التقدم تماما كما كانت التحية بـ “السلام عليكم” علامة التخلف ، والانضمام الى “الاتحاد الاشتراكي” ضمان تمام رضا الحكومة المصرية وقربها وإغداقها وفتح الطريق الى عضوية “مجلس الأمة” ومن هنا ساد النفاق على حساب مصلحة الوطن وانتشر الفساد، وخرب الاقتصاد، وعم الفقر وكل ذلك كان متغطيا بالاعلام والشعارات مثل “لاصوت يعلو فوق صوت المعركة”
ـ بعد وفاة عبد الناصرسنة 1970 انكشفت الحقائق وذهبت السكرة وجاءت الصدمة في كل ما كان، وأُفرِج عن “الاخوان المسلمين”، ودخل معذبوهم السجون بتقدير الله العزيز الحكيم.
ـ فكذلك كان انتصار رمضان / اكتوبر انتصارا لكل ما كان ينادي به المخلصون من العودة الى الله واحترام الدين وحرية الدعوة الى الله وإقامة المساجد في وحدات الجيش وأنه لن يدافع شباب عن الوطن إلا بعقيدة إيمانية قوية خصوصاً بعد انتشار المواقف الإيمانية العظيمة للجنود والمعجزات التي تحققت على أيديهم.
ـ ومن هنا ظهرت ظاهرة ما سمي بـ “الصحوة الإسلامية ” أو “الشباب المسلم ” ثم بـ “الجماعات الاسلامية” كنوع من الرغبة في العودة إلى الدين والتخلص من بقايا الشيوعية والفساد وكل أسباب الهزيمة
ومن حكمة الله اللطيف الخبير أن جعل ارادة التخلص من الشيوعية إرادة مشتركة بين نظام حكم يراها مصدر قلق له وتهديد،وشباب يراها عدوا للدين وسببا في الهزيمة. “وللحديث بقية“