إن جميع المرسلين لا يسألون الناس أجرًا على دعوتهم كما أوضح ذلك صاحب يس وهو ينصح قومه ويعظهم: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وهُم مُّهْتَدُونَ} [يس: 20، 21]، ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الخلق دعوة إلى الخالق سبحانه وتعالى وهو أسوة الدعاة وقدوتهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذا النبي الكريم أمره ربه أن يقول للناس جميعًا أنه لا يسأل الناس أجرًا بل يرجوا أجر ربه وثواب خالقه، قال تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [ص: 86]، وقال تعالى عن رسوله الكريم: {وما أرْسلْناك إلا مُبشِّراً ونذِيراً} [الإسراء: 105]، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إلا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الفرقان: 57]، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يسألهم على هذه الدعوة والإنذار والتبشير أجرًا {إلا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} أي: إلا فعل الله يريد أن يتقرب إليه تعالى ويطلب الزلفى عنده بالإيمان والطاعة، وصوَّر القرآن الكريم ذلك بصورة الأجر، وقد يكون معناها لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا فليفعل. وقد أمر الله رسوله الكريم أيضًا أن يبين هذه الحقيقة للناس ردًّا على عناد المعاندين ومكابرة وعتو الطغاة المجرمين. فقال تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إنْ أَجْرِيَ إلا عَلَى الله وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 47 – 49].
يقول العلامة أبو السعود في تفسيره: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ} أي شيء سألتكم من أجر على الرسالة {فَهُوَ لَكُمْ} المراد نفي السؤال رأسًا كقول من قال لمن لم يعطه شيئًا إن أعطيتني شيئًا فخذه].
ومن هذا كله يتضح أن الداعية لا يطلب أجر من أحد من الخلق لأنه أجره عند الله وثوابه إليه سبحانه وجزاؤه عنده عز وجل.
[1] – .