بقلم : عبد الآخر حماد
ما إن يهل علينا هلال شهر رمضان من كل عام حتى تبدأ القنوات التليفزيونية في بلادنا في التنافس في إلهاء الصائمين وإبعادهم عن المعنى الحقيقي للصوم وهو التعبد لله عز وجل والتخفف من شهوات الحياة الدنيا ، فتجد تلك القنوات تعج بالبرامج والمسلسلات التي تخلو من أي مضمون هادف أو معنى مفيد،بل تشتمل في مجملها على ما يثير الغرائز ،ولا تخلو من المحرمات ، والأدهى من ذلك أن تجد بعض كتاب تلك المسلسلات قد جعلوا همَّهم الأكبر الهجومَ على ثوابت الدين والتطاول على أحكامه ، وهم في الغالب يستغلون خصومة الدولة مع بعض فصائل التيار الإسلامي لإمرار هجومهم هذا وتطاولهم على شرع الله تعالى.
وإني لأذكر أني كنت قد كتبت منذ أكثر من عشرين عاماً -في فترة المواجهة بين الجماعة الإسلامية ونظام مبارك- دراسة نشرت في بعض الدوريات الإسلامية خارج مصر ، رصدت فيه أبعاد حملةٍ ممنهجة شنتها في ذلك الوقت أجهزة الإعلام المصرية على مجمل التيار الإسلامي في مصر ،وكان من أهم ما خلصت إليه أن بعض الأبواق الإعلامية قد انتهزت فرصة تلك المواجهة لتصفية حسابات قديمة مع التيار الإسلامي ،والأخطر من ذلك أن بعضهم قد استغل الفرصة للهجوم على الإسلام ذاته وذلك بالطعن في ثوابته وأحكامه القطعية ، وأذكر أني ساعتها قد استشهدت بمسلسل العائلة الذي كتبه الكاتب وحيد حامد وأذيع في رمضان عام 1414هـ – الموافق لعام 1994م ، والذي تولى كبرَ الهجوم على الإسلام وثوابته فكان فيه استهزاء بكثير من مظاهر التدين والسنن النبوية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،بل تجاوز ذلك إلى الطعن في العقائد الثاتبة حتى إنه أنكر عذاب القبر على لسان بعض ممثليه .
واليوم يتكرر نفس الأمر ، ليطل علنا نفس الكاتب من خلال مسلسل الجماعة 2 ليمارس هوايته القديمة في التهجم على شرع الله ومحاربة أحكامه ، ومن ذلك زعمه على لسان بعض شخصيات مسلسله هذا أنه ليس هناك دليل على وجوب الحجاب في الإسلام وأنه مجرد عادة من العادات ، وقد بعث إليَّ أحدهم بمقطع من هذا المسلسل يبدو فيه الأستاذ حسن الهضيبي – مرشد الإخوان في الفترة التي يتحدث عنها المسلسل – جالساً مع زوجته وابنتيه ،وهو يحاول إقناع ابنتيه بلبس الحجاب ، قائلاً لهما إنه طلب من البكباشي جمال عبد الناصر أن يسن مجلس قيادة الثورة قانوناً يفرض الحجاب على النساء ،ولكن عبد الناصر قد رد عليه رداً أحرجه وهو أنه ذكر له أن عليه هو أولاً أن يحجب بناته قبل أن يطالب رجال الثورة بذلك ، وفي المقطع المشار إليه تبدو ابنة الهضيبي وهي تفحم والدها حيث بينت له أنه ليس هناك من دليل شرعي على فرضية الحجاب ، وأن حديث عائشة الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يبد منها إلا هذا وهذا ) وأشار إلى وجهه وكفيه ، حديث ضعيف ، وعليه فلا تلزم النساء بالحجاب.
ومن الناحية التاريخية ليس لمثلي أن ينفي أو يثبت صحة تلك الواقعة ، إذ ليس لدينا برهان أكيد على صحة أي من الاحتمالين ،وإنْ كنت قد شاهدت منذ مدة مقطع فيديو على اليوتيوب يظهر فيه الرئيس جمال عبد الناصر وهو يتحدث في خطاب عام عن واقعةِ طلب الهضيبي منه تعميم الحجاب ،وأنه رد عليه بمثل هذا الذي ذكر في المسلسل ، ولكنا نرى أن ذلك ليس كافياً في إثبات الواقعة ، إذ لا يمكننا التسليم لعبد الناصر بكل ما يقول ،خاصة وأنه قال ذلك وهو في سدة الحكم ،وكان خصومه في السجون والمعتقلات .
على أية حال ما يهمنا الآن هو الذب عن شرع الله تعالى في قضية الحجاب ، وبيان أن هذا الكاتب إنما يسير على خطى أقوام أقل ما يقال فيهم أنهم جهلوا الدين وأحكامه ،ومع ذلك صاروا يفتون فيه بأهوائهم وعقولهم ، من عينة أمينة السعيد ،ونوال السعداوي ، وجمال البنا ،وإقبال بركة ،وفاروق حسني الذي قال يوم كان وزيراً للثقافة إن الحجاب لا علاقة له بالدين وإن من يفتون بوجوبه إنما هم شيوخ بـ (تلاته مليم) .
وإني أقول لهذا الكاتب : ما دمت تستدل بالأدلة الشرعية كما تزعم فاعلم أن قضية حجاب المرأة المسلمة قضية لم يخالف فيها أحد من علماء المسلمين ، وأدلتها من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصى ، ولا يمكن لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أن يَدَع ما نص عليه كتاب الله وسنة رسوله لدعوى إنسان كائناً من كان ، ولئن كان هناك خلاف بين أهل العلم في هذه القضية فهو محصور في أن بعضهم يرى وجوب ستر سائر البدن ،بينما يرى بعضهم أنه لا بأس بكشف الوجه والكفين ، أما كون الحجاب فريضة شرعية سواء قلنا بهذا القول أو ذاك ،فهو من المسلمات عند أهل الإسلام ، ومن أدلة ذلك قول الله عز وجل : (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً ) .[الأحزاب : 59] ، فإن هذا دليل قاطع على فرضية الحجاب على كل امرأة مسلمة ، وقد قالت أم سلمة رضي الله عنها : (لما نزلت : ( يدنين عليهن من جلابيبهن )خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية ).[ أخرجه أبو داود (4101) وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
ومن ذلك قول الله عز وجل : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) .[النور :31] ، ولا أدري كيف يسوغ لمدعٍ بعد هذه الآية أن يدعي عدم فرضية الحجاب ؟ وهل لضرب الخمر على الجيوب معنى إلا أن تضرب المرأة بخمارها (وهو غطاء رأسها) على جيبها (وهو موضع الفتح من قميصها) لتستر صدرها ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها : ( يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها ). [ أخرجه البخاري (4758) وأبو داود (4102]
فهل يكون كُتَّابُ المسلسلات أفهمَ لنصوص القرآن الكريم من نساء المهاجرين والأنصار اللاتي نزل القرآن بلُغَتِهن ،ففهمن منه فرضية الحجاب ،أم هل يكونون أفهمَ لآيات القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رأى نساء الصحابة يفعلن ذلك فلم ينكر عليهن ؟!
وإذا كان حديث : (إن المرأة إذا بلغت المحيض ) ضعيفاً كما ورد في المسلسل المذكور فعلى هؤلاء المشككين في فرضية الحجاب أن يعلموا أن هناك من علماء الحديث من وجد لهذا الحديث طرقاً وشواهد يتقوى بها فحكم بأنه حديث حسن كما فعل الشيخ الألباني في كتابه جلباب المرأة المسلمة ، وإنْ أنكر عليه بعض أهل العلم ذلك ، لكن من المهم أن نشير هنا إلى أن هؤلاء الذين أصروا على ضعف الحديث وعدم تقويته، لا يستدلون بضعف الحديث على عدم فرضية الحجاب كما يفهم هذا الكاتب وأمثاله ، بل هم على العكس من ذلك يستدلون بضعفه على أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها عن الرجال الأجانب ، لأن الحديث الذي يجيز لها ذلك ضعيف .
وأخيراً : فهل لنا أن نطمع في أن نرى من الأزهر رداً رسمياً على هذا الطعن في ثوابت الإسلام كما فعل أيام الشيخ جاد الحق رحمه الله حين اعترض على إنكار عذاب القبر في مسلسل العائلة حتى اضطر أصحاب ذلك المسلسل إلى إضافة مشهد في آخر الحلقات فيه إثبات لعذاب القبر ؟ أو هل نطمع في أن تخصص وزارة الأوقاف خطبة من خطب الجمعة لمناقشة تطاول أولئك الكَتَبَة على الإسلام وأحكامه ، بدلاً من تلك الموضوعات المكررة التي تُفرض على خطباء الجمعة ،والتي تحولت معها خطبة الجمعة إلى ما يشبه دروس التربية الوطنية في المدارس ،بدلاً من أن تكون مجالاً لوعظ المسلمين وإرشادهم وتعليمهم أحكام دينهم،ومحاولةً لإيجاد الحلول لمشكلاتهم من خلال كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟.
مفتريات وحيد حامد حول مسألة الحجاب

التعليقات