القائمة إغلاق

بين الشرع المنزل وبين الفهم البشري

 بقلم د/أحمد زكريا عبداللطيف

لا يجوز أن يجعل فهم أحد من البشر دينا يوالي عليه ويعادي عليه وإنما يستأنس به على فهم النصوص الشرعية مع اعتقاد أنه ليس حكما لله عز وجل ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم وتتفاوت أفهام البشر بحسب علم الشخص وعقله وأخلاقه وصحة منهجه ولكنه يبقى فهما بشريا لا يجوز أن يلزم به الناس ولا يوالي ولا يعادي عليه، والمسائل الدينية نوعان : نوع ورد فيه نصوص صحيحة صريحة فهذا واجب الاتباع لورود النص فيه ونوع لم يرد فيه نص وإنما ورد تفسيره من العالم وقد يخالفه غيره في تفسيره فهذا لا يلزم اتباعه وإنما يستأنس فيه بفهم العالم .

قال شيخ الإسلام رحمه الله : (أفضل الأقوال نوعان : النوع الأول: أقوال ثابتة عن الأنبياء، فهي معصومة؛ يجب أن يكون معناها حقًا، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، و البحث عنها إنما هو عما أرادته الأنبياء؛ فمن كان مقصوده معرفة مرادهم من الوجه الذي يعرف مرادهم فقد سلك طريق الهدى، ومن قصد أن يجعل ما قالوه تبعًا له، فإن وافقه قبله وإلا رده، وتكلف له من التحريف ما يسميه تأويلاً، مع أنه يعلم بالضرورة أن كثيرًا من ذلك أو أكثره لم ترده الأنبياء، فهو محرف للكلم عن مواضعه، لا طالبٌ لمعرفة التأويل الذي يعرفه الراسخون في العلم‏.

‏النوع الثاني‏:‏ ما ليس منقولاً عن الأنبياء، فمن سواهم ليس معصومًا، فلا يقبل كلامه ولا يرد إلا بعد تصور مراده، و معرفة صلاحه من فساده) مجموع الفتاوى (191/4) وزاد ذلك تفصيلا في مكان آخر فقال: (فلفظ الشرع قد صار له في عرف الناس ‏(‏ثلاث معان‏)‏‏:‏ الشرع المنزل، والشرع المؤول، والشرع المبدل‏.‏

 فأما الشرع المنزل‏:‏ فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة، وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه، وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعاً له، ومن لم يلتزم هذا الشرع، أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل‏.‏

 وأما المؤول: فهو ما اجتهد فيه العلماء من الأحكام، فهذا من قلد فيه إماماً من الأئمة ساغ ذلك له، ولا يجب على الناس التزام قول إمام معين‏. ‏‏

وأما الشرع المبدل: فهو الأحاديث المكذوبة، والتفاسير المقلوبة، والبدع المضلة التي أدخلت في الشرع وليست منه، والحكم بغير ما أنزل الله‏.

 فهذا ونحوه لا يحل لأحد اتباعه‏ (الفتاوى(11/507) وقال ابن القيم: (والفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع، والحكم المؤول أي -المفسر- الذي غايته أن يكون جائز الاتباع فالحكم المنزل هو الذي أنزله الله عز وجل على رسوله وحكم به بين عباده وهو حكمه الذي لا حكم له سواه، وأما الحكم المؤول: فهو من أقاويل المجتهدين المختلفة، التي لا يجب اتباعها، ولا يكفر ولا يفسق من خالفها فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم الله ورسوله، بل قالوا اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله.

وأما الحكم المبدل وهو الحكم بغير ما أنزل الله فلا يحل تنفيذه ولا العمل به ولا يسوغ اتباعه وصاحبه بين الكفر والفسوق والظلم) (حادي الأرواح 266) هذه التقسيمات للمسائل الدينية تبين أنه ليس كل المسائل الدينية يوالي عليها ويعادي عليها وإنما يوالي على الأصول التي ثبتت بأدلة قطعية وأما ما كان لاجتهاد من العلماء استنباطا من النصوص فإنما هي مسائل اجتهادية قابلة للصواب والخطأ يغتفر فيها للمخالف خطئه.

التعليقات

موضوعات ذات صلة