الأخ محمد النكلاوى رحمه الله
وقع عليَّ خبر مصرع أخينا وحبيبنا محمد عبد ربه عبد الفتاح النكلاوي كالصاعقة.. وكان آخر لقاء لي به منذ سنوات طويلة يوم 19 مايو الماضي يوم وقفة الدكتور عمر “فرج الله كربه“.. وكان كما رأيته أول مرة في دار العلوم في أوائل التسعينيات من القرن الماضي الجسم النحيف والسمرة المصرية والهمة العالية والدأب الشديد والصبر والمثابرة على الدعوة والعلم.
حتى إنني بمجرد أن ذكرت له بعض أسماء الأخوة الذين كانوا معنا وغيبتهم الأيام عنا قال لي بنبرة يملؤها الشوق للعمل لدين الله: “أعطني أرقام هواتفهم .. وسأذهب إليهم“.
تلك الروح التي ميزت أبناء الجماعة.. وبخاصة أبناء دار العلوم هي التي صنعت للدعوة أرضا.. برغم الأشواك والصعاب التي وضعت في طريقها .. وما أحوجنا اليوم لعودتها.
سألته عن وظيفته .. فوجدته لا يعمل عملا ثابتا .. لكنه يعمل أعمالا متنوعة يحصل بها على نفقاته وأسرته الصغيرة بعد أن تزوج ورزقه الله بطفل.
لذا يتوجب على أبناء الجماعة يسدوا ذلك الثغر.. وكم من أسر فقدت عائلها وقد غيبهم الموت إما في السجون.. أو أتت عليهم الأمراض أو الحوادث.. وبعضهم أقعده المرض عن كسب قوته وقوت أولاده.. وآن الأوان ليكون للجماعة دور في القيام بواجبها تجاه أفرادها.
وللحق فقد بذل قادتنا جهدا عظيما لسد تلك الثغرات في العهد البائد برغم الصعوبات والموانع الأمنية الشديدة.
وإن أنسى .. فلن أنسى الأيادي البيضاء للشيخين الكريمين كرم زهدي وناجح إبراهيم في مثل هذه الأمور.
هول المفاجأة بموت محمد ذكرني بالعظام الذين قضوا نحبهم من أبناء الجماعة الإسلامية دون أن يحصلوا على أي شيء من حطام الدنيا بعد سنوات من الخوف والجوع والقلق والسجن والبحث عن لقمة العيش.. فحسبهم الله ونعم الوكيل.
تذكرت تلك الثلة المباركة من أبناء دار العلوم الذين بذلوا أرواحهم من أجل هذا الدين عن طواعية وحب واختيار.
فمن ينسى الشيخ حسن البنا والشيخ سيد قطب.. مرورا بعادل مهران أسيوط وربيع بني سويف وسعيد عبد الحكيم.. والعطاء مستمر.
نحتاج تلك الروح الوثابة المنطلقة التي تربينا عليها في الجماعة الإسلامية وصبغتها دار العلوم العريقة بصبغتها الخاصة التي كانت لا ترى مصلحة فوق مصلحة الإسلام.. ولا عصبية إلا عصبية هذا الدين.. لذلك تكون هذا النسيج العجيب.. برغم ما بينهم من خلاف في اللهجات والطباع والإفهام.. إلا أن الإسلام والجماعة صنعت منهم نسيجا واحدا متكاملا.. فذابت الفوارق وأصبحت المشتركات أكثر.
لذا كانت الجماعة الإسلامية.. ولا سبيل لبقائها قوية فتية إلا بهذا.
رحم الله محمد النكلاوي.. وأسكنه فسيح جناته.. وأسبل الرضا والصبر علينا وعلى أسرته الكريمة.