القائمة إغلاق

بلاغة القرآن الكريم .

بقلم: علي الشريف
من المقرر بلاغيا أنه لا بد وأن تخدم الصورة الفنية الفكرة والمعنى المراد ذكره ، فهناك من الشعراء من أجاد استخدام الصورة فى توضيح فكرته وتقويتها وهناك من يأتى بصورة لا فائدة فيها كمن شبه مثلا النخلة بالمسلة لأن هذه طويلة وتلك طويلة ، كما فعل شوقى ، بل وهناك من يضعف المعنى بالصورة التى يذكرها كقول عنترة :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه * ليس الكريم على القنا بمحرم .
فهذه صورة أضعفت المعنى المراد ، فإن مراد عنترة هنا هو الفخر بقوته ، لكن الصورة التى ذكرها تخالفمراده ، ذلك أن كلمة( شككت) تدل على ضعف ضربته فهى مجرد شكة ضعيفة كشكة الشوكة ، وكان عليه أن يقول ( فقصمت ) أو ( فشققت) أو ما شاكل ذلك من الكلمات التى تدل على قوة ضربته .
ثم كلمة ( ثيابه) تدل على الضعف الشديد لهذه الضربة ، فإن قناته لم تخترق إلا الثياب فقط ، وكان عليه أن يقول : ( فؤاده ) أو ( عظامه) .
وكقول الشاعر :
هل تعرفون لباناتى فأرجو أن تقضى * فيرتد بعض الروح للجسد .
(
لباناتى) أى حاجاتى ، فهذا الشاعر يقول لمحبوبته : هل تعرفين حاجاتى ، فأرجو أن تقضى ، فلو تحقق ذلك لرجعت إلى روحى .
لكنه أضعف المعنى بقوله : ( بعض) وذلك لأن الروح لا تتبعض ولا تتجزأ ، لو جدلا أن الروح تتبعض لكان عليه أن يقول : كل الروح لا بعضها لبين عظم سعادته بتحقيق حلمه وأمنيته فهذه الصورة أضعفت المعنى .
إذن لا بد وأن تخدم الصورة المعنى المراد ، والغرض الذى يريده الشاعر وتقويه وتقرره فى وجدان السامع والقارئ .
والمتتبع للصورة فى القرآن الكريم يجدها دائما خادمة للمعنى الذى تقررة الآية .
فانظر مثلا لقول الله تعالى : ( ربنا أفرغ علينا صبرا ) فهذه استعارة مكنية ، حيث شبه الصبر بالماء ، وحذف المشبه به وأهو الماء وأتى بشئ من لوازمه وهو الإفراغ ، فإن الإفراغ عادة لا يكون إلا للماء ، لكن لماذا شبه القرآن الكريم الصبر بالماء ؟ ذلك لأن الماء يطفئ النار ، والصبر يطفئ حر المصيبة ، فلا شك أن المصيبة تشعل نار الهم والغم فى صدر المصاب المبتلى ، فيأتى الصبر فيطفئ هذه النيران ، إذن الصورة القرآنية تخدم المعنى المراد وتقويه .
وانظر إلى قول الله تعالى عن سفينة نوح عليه السلام : (وهى تجرى بهم فى موج كالجبال ) حيث شبه القرآن الموج بالجبال ، والصورة هنا تخدم المعنى المراد ، فإن مراد الآية أن سفينة نوح كانت من الضعف بمكان ، وأن الأمواج الشديدة قادرة على تحطيمها ، لكن حفظ الله تعالى لها هو الذى حماها ، ولتقرير هذا المعنى شبه الموج بالجبال ، حيث أن الجبال عالية و مرتفعة فكذلك الأمواج كانت عالية ومرتفعة ، والجبال قوية لو اصطدمت بشئ لهشمته كذلك الأمواج كانت قوية لو اصطدمت بشئ لحطمته ، و(الجبال) جمع ليدل على كثرتها ، والأمواج كانت كثيرة ومتلاطمة ، والجبال العالية التى تجرى بسرعة لها رهبة شديدة ، كذلك الأمواج العالية التى تجرى بسرعة لها رهبة شديدة ، علاوة على دلالة حرف الجر (فى) الذى يدل على الظرفية ، أى أن السفينة كانت تسير داخل هذه الامواج المتلاطمة ، وأن الأمواج العالية كانت تحيط بها من كل مكان ، إذن ما أيسر أن تتحطم هذه السفينة فى هذه الظروف الصعبة ، لكن عناية الله وقدرته هى وحدها التى حفظت نوحا ومن معه وسفينتهم الضعيفة .
وهكذا تجد كل الصور القرآنية تخدم المعنى المراد ذكره وتقويه وتقرره فى وجدان السامع والقارئ .

التعليقات

موضوعات ذات صلة