القائمة إغلاق

ثنائيات لغوية

بقلم: الدكتور عبدالآخر حماد

1- السابق والأسبق:

يجري على ألسنة بعض المعاصرين وفي كتاباتهم التفرقة بين السابق والأسبق، فيقولون فلان الوزير السابق وفلان الوزير الأسبق، ومقصودهم من ذلك التمييز بين الوزير الذي سبق الوزير الحالي مباشرةً فيصفونه بالسابق، وبين من كان وزيرًا قبل ذلك فيصفونه بالأسبق، لكن المعروف أن أفعل التفضيل إذا عُرِّف بالألف واللام فإنه لا يطلق إلا على من لا يزيد عليه في الصفة التي فُضِّل بها أحد، فإذا قيل فلان هو الأفضل فلا يطلق ذلك إلا على من ليس هناك أفضل منه، تقول مثلًا: كل الصحابة أفاضل ولكنَّ أبا بكر هو الصحابي الأفضل، وكذلك الأسبق لا يطلق إلا على من لم يسبقه أحد في الوصف الذي سيق الكلام لأجله، وعلى ذلك فكل شيوخ الأزهر الذين سبقوا الشيخ الحالي سابقون إلا شيخًا واحدًا هو الذي يصح أن يطلق عليه أنه شيخ الأزهر الأسبق وهو الشيخ محمد بن عبد الله الخراشي، إذ هو أول من تولى مشيخة الأزهر رسميًّا عام 1101هـ، وكذلك يقال عن اللواء محمد نجيب إنه الرئيس الأسبق لجمهورية مصر، أما الرئيسان عبد الناصر والسادات فكلاهما رئيس سابق والله أعلم.

*******

2- اشتد واستد:

اشتد الشيء أي قوي، من الشدة وهي القوة، ومنه قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) [ الأنعام :152والإسراء: 34] أي حتى يبلغ قوته، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين كما في مختار الصحاح.

وأما الفعل استد فمعناه استقام، من السَّداد وهو الاستقامة والصواب.

قال الشاعر المخضرم معن بن أوس المزني:

أُعَلِّمُه الرمايةَ كلَّ يومٍ * فلما استدَّ ساعدُه رمانِي

أي: فلما استقام ساعدُه وصار قادرًا على إصابة الهدف رماني، وبعض الناس يروونه “فلما اشتد”، وهو خطأ قديم نبه عليه كثير من أئمة اللغة، منهم الأصمعي حيث قال كما في تاج العروس (1/2044) : “اشتد بالشين المعجمة ليس بشيء”.

*******

3- السَّداد والسِّداد:

السَّداد بفتح السين الاستقامة والصواب، وأما السِّداد فهو ما يسد به الشيء من قارورة وغيرها، قال في مختار الصحاح: “وسِداد القارورة والثغر موضع المخافة بالكسر لا غير”، وقولهم: سِداد من عَوَز معناه ما تسد به حاجة الإنسان، وقد ذكر في مختار الصحاح أن قولهم: فيه سِداد من عَوَز وسِداد من عيش يكسر ويفتح، لكن الكسر أفصح، وفي القاموس (1/300) أن الفتح ربما عُدَّ لحنًا.

قلت: ولعله من أجل هذا أنكر النضر بن شميل على الخليفة المأمون لما روى حديث: “إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سَداد من عوز” فذكره المأمون بفتح السين من (سداد)، حيث روى له النضر نفس المتن بلفظ (سِداد) بكسر السين، وذلك في قصة طريفة ذكرها جمع من أهل العلم منهم الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/128) وفيها أن المأمون قال للنضر: يا نضر، كيف قلت: سِداد؟ فقال النضر: نعم؛ لأن السَّداد هنا لحن، قال: أوَتُلحنُنِي؟ قال: إنما لحن هشيم (وهو الذي روى عنه المأمون)، وكان لحانة، فتبع أمير المؤمنين لفظه، قال: فما الفرق بينهما؟ قال: السداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، وبالكسر: البُلْغة، وكل ما سددت به شيئًا فهو سِداد. قال المأمون: أوَتعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، هذا العرْجي يقول:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسِداد ثغْرِ

إلى آخر القصة، وفيها أن المأمون كتب إلى الفضل بن سهل يأمره أن يعطي النضر بن شميل خمسين ألف درهم، وأن الفضل بن سهل لما علم بالقصة أمر له من خاصة ماله بثلاثين ألف درهم، قال النضر: (فأخذت ثمانين ألفًا بحرف استُفِيد منِّي”.

*******

4- إنسان وإنسانة:

يقول الشاعر كامل الشناوي من قصيدة له في جميلة بوحيرد المناضلة الجزائرية المعروفة :

وجميلة عذراء إنسانة

ألقوا بها في أرض زنزانة

عُريانةً، والأرض عُريانة

وقوله: (إنسانة) خطأ لغوي، لأن المرأة كالرجل يقال لها إنسان، لا يقال لها: إنسانة، كما ذكر الجوهري في الصحاح، وذكر الفيروز أبادي في القاموس المحيط (2/198) : أن إنسانة بالهاء عامية.

قلت: وأشدُّ خطأً من ذلك قول العامة في عصرنا: فلانة بني آدمة، وإنما هي ابنة آدم وابنة حواء.

*******

5- الغِذاء والغَداء:

الغِذاء بالغين المكسورة ما يغتذى به من الطعام والشراب، وأما الغَداء فهو طعام الغُدوة والغُدوة والغداة أول النهار، وهي ضد العشي الذي هو آخر النهار، قال تعالى : (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) [الكهف : 28]، فالطعام الذي يؤكل في الصباح هو الغَداء، ويقابله العَشاء وهو ما يؤكل وقت العشي، قال في الصحاح: “والغَداء هو الطعام بعينه وهو ضد العَشاء”.

ومن اللفتات الجميلة ما وقفت عليه في كتاب تقويم اللسانين للدكتور تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله (ص: 74) حيث استنبط مما سبق أن من الخطأ تسميةُ الناس اليوم للطعام الذي يؤكل بعد الظهر غَداءً، كما ذكر أن العرب لم يكونوا يعرفون نظام الأكلات الثلاث المعروف الآن؛ إذ لم يكن عندهم طعام خاص يؤكل وقت الظهيرة، وليس في لغتهم اسم لطعام يؤكل في ذلك الوقت، كما أنه ليس في لغتهم اسم لطعام يؤكل في الليل، وإنما كان عندهم غََداء وعَشاء فقط، وفيما سوى هذين الطعامين لا يتقيد الآكل بوقتٍ معتاد، وإنما متى جاع الإنسان أكل.

*******

6- الخريطة والخارطة:

الخريطة في لغة المعاصرين اسم لما ترسم عليه هيئة الأرض أو إقليم منها، ويسمونها أيضًا الخارطة، وكلتا التسميتين -فيما يظهر- ليست بفصيحة، فأما الخريطة فهي كما في معاجم اللغة وعاء من أدم (أي جلد) وغيره يشرج (أي يشد) على ما فيه، وقد كنا ونحن صغار قبل أن نعرف الحقائب المدرسية نحمل كتبنا في كيس من القماش يقال له الخريطة.

وقد وقفت على بحث لأحمد تيمور باشا نشره بمجلة المقتطف عدد ديسمبر 1910م ذكر فيه أن الذين يطلقون لفظة الخريطة على رسم الأرض يعتمدون على أن الكتب السلطانية كانت ترسل في تلك الأكياس المسماة في العربية بالخرائط، وأنه ربما كانت مخططات الأرض ترسل في تلك الخرائط، ثم قال: “وعليه فلا يصح إطلاقُها على ما ترسم عليه صورة الأرض إلا تجوزًا، هذا إذا ثبت أن تلك الأوراق المرسومة كانت توضَع عادةً في مثل تلك الأكياس فتسمى بها إطلاقًا للمحل وإرادة للحالّ، ولكني لم أقف على ما يثبته”.

وأما الخارطة فهي مأخوذة عن كلمة (كارت) اللاتينية ومعناها ورقة أو بطاقة من الورق المقوى، وفي اللغة الألمانية يطلقون على رسم الأرض (لاند كارتا)، و(لاند) معناها الأرض، فكأن المعنى ورقة عليها رسم الأرض.

وعليه فإن الصواب أن يُستعاض عن لفظتي الخريطة والخارطة بلفظة تدل على الرسم أو التصوير كرسم الأرض أو المخطط، أو المُصوَّر ونحو ذلك، وقد ذكر تيمور باشا في المقال المشار إليه أن الصواب أن يقال (مُصوَّر) وهي اللفظة التي استعملها من تكلم على البلدان من العرب، والله أعلم.

التعليقات

موضوعات ذات صلة