بقلم: الشيخ علي الشريف
الإستصحاب .
* — تعريفه : هو بقاء الأشياء على ما هى عليه ما لم يغيرها مغير .
فإذا تركت ماء طاهرا مدة ثم عدت أليه فهو طاهر كما هو ، وإذا تركت ماء نجسا مدة ثم عدت إليه فهو نجس كما كان ، إلا إذا علمت بخبر يقين خلاف ذلك .
ونتج عن هذه القاعدة الهامة عدة أنواع من الإستصحاب .
(1) — استصحاب الحكم الأصلى ، وهو الإباحة لكل الأشياء النافعة ، ما لم يرد دليل التحريم ، والدليل على ذلك .
* — قال الله تعالى : ( هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا ) أى كل المخلوقات خلقها الله لينتفع بها الإنسان .
* — قال الله تعالى : ( وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه) فكل ما فى السماوات والأرض جميعا سخره الله للإنسان ، فهذا يدل على أن كل ما خلقه الله فى السماوات والأرض مباح لنا استخدامه .
وعلى ذلك كل ما يوجد فى هذا الكون من حيوان أو نبات أو جماد فهو مباح لنا ، ما لم يدل نص شرعى على التحريم . فجميع الحيوانات والطيور والأسماك والنباتات والمشروبات حلال لنا أكلها ما لم يرد دليل شرعى على الحرمة ، كالدليل الوارد
على حرمة أكل الميتة ، والدم المسفوح ، ولحم الخنزير ، وما ذبح لغير الله .
(2) — استصحاب البراءة الأصلية ، فالمتهم برئ حتى تثبت إدانته ، فإذا إدعى رجل أن له دينا على رجل آخر دون بينة ، فعلى القاضى أن يحكم ببراءة المتهم ، لأن الأصل براءة الذمة ، إلا إذا جاء الأول ببينة عادلة تشهد له ، فعندئذ يحكم القاضى له .
(3) — الشك لا يغلب اليقين ، فمن توضأ وشك بعد ذلك هل نقض الوضوء أم لا ، حكمنا ببقاء وضوئه ، لان اليقين أنه متوضئ ، والشك أنه نقض الوضوء ، والشك لا يغلب اليقين ، وكمن تشاجر مع زوجته ، وشك هل نطق بالطلاق اثناء غضبه أم لا ، حكمنا بدوام زواجه ، لأن اليقين أنها زوجته ، وشككنا هل نطق بكلمة الطلاق أم لا ، والشك لا يغلب اليقين ، وهكذا .
(4) — استصحاب الوصف ، كحكمنا على المفقود أنه حى ما لم يرد دليل على الوفاة ، ومن غاب عن ماء طاهر ثم عاد إليه حكمنا بطهارته ، ومن غاب عن ماء نجس ثم عاد إليه حكمنا بنجاسته ، لأن الأصل بقاء الأشياء على ما هى عليه حتى يقوم الدليل على خلافه .
* — الإستصحاب آخر مدار الفتوى ، فإن المفتى إذا سئل عن حادثة ، يطلب حكمها فى كتاب الله تعالى ، ثم فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم فى الإجماع ، ثم فى القياس ، فإن لم يجد يأخذ حكمها من استصحاب الحال فى النفى والإثبات .
فأنواع الإستصحاب ترجع كلها إلى قاعدة الشك لا يغلب اليقين ، وهذه القاعدة رغم صغرها إلا إنها دليل على مئات المسائل ، كالصائم يشك هل غابت الشمس أم لا ، فلا يحل له أن يفطر ، لأن الأصل بقاء النهار ، وشك هل غابت الشمس أم لا ، والشك لا يغلب اليقين ، وكالصائم شك هل ظهر الفجر أم لا ، فله أن يأكل حتى يتيقن ظهور الفجر ، لأن الأصل بقاء الليل ، ثم شك هل ظهر الفجر أم لا ، والشك لا يغلب اليقين ، وهكذا .
أسأل الله تعالى أن يزيدنا علما نافعا ، وأن يرزقنا قلبا خاشعا ، آمين .
أصول الفقة . مسائل أصولية مبسطة .

التعليقات