إخراج القيمة بمناسبة اقتراب العيد نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الاعمال
بقلم: المهندس أسامه حافظ
هي مسألة خلافية قديمة قدم الفقه اختلف فيها سلف الأمة منذ مئات السنين وتنازعوا وتحاوروا ولم يتفقوا ورغم ذلك لم يبدع أحدهم الآخر أو يتهمه باتباع الهوي وهجر السنة كما يفعل طلبة العلم وأنصاف المتعلمين من شبابنا هذه الأيام.
فقد اعتاد سلفنا الصالح أن يتعامل مع المسائل الإجتهادية الظنية بعقل متفتح مدرك أن المجال فيها يتسع لفهمي وفهمك والإختلاف حولها وارد وكل حسب ما أدرك وفهم من النصوص ولا مجال فيها للإتهام وسوء الظن.
إنما اجتهادي في نظري صواب يحتمل الخطأ واجتهادك في نظري خطأ قد يصيب كما علمنا الشافعي.
فمن كان من أهل الاجتهاد واجتهد فهو مأجور أصاب أو أخطأ كما بين الحديث ومن كان من أهل التقليد – وهم أكثر من يثير الضجيج حول هذه المسألة – فلكل أن يقلد من يثق في علمه وفقهه من العلماء ولا تثريب عليه ولا اتهام.
ومصدر الخلاف هنا أن الزكاة فيها شق تعبدي باعتبارها ركناً من أركان الإسلام وفريضة من فرائضه وشق معاملاتي باعتبارها تتعدي صاحبها بعموم أثرها في المجتمع وباعتبار وجود علة منضبطة معقولة تصلح للقياس عليها.
وقد وقف جمهرة العلماء عند الشق التعبدي للزكاة فوقفوا علي حافة النصوص ورفضوا الحديث عن القياس والمصلحة فيها واكتفوا بما نص عليه الحديث من أصناف وإن كنت لا أدري لماذا قاسوا مطعومات لم ترد في النص علي مطعومات النص مثل الأرز والمكرونة وغيرها.. بينما ذهب الإمام الأعظم أبو حنيفة إلي الشق الآخر فأجاز القياس فيه والنظر في عموم الأدلة مقتدياً في ذلك بأسلافه ممن وافقهم في الرأي أمثال عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وعطاء وغيرهم وقد وافقهم أيضاً الأشهب وابن القاسم من علماء المالكية.
بل أنه مذهب أمير المؤمنين في الحديث وحامل لواء المحدثين الإمام البخاري والذي نقل النووي عن ابن رشيد – تعليقاً علي رأيه في إخراج القيمة -“أنه وافق الأحناف في هذه المسألة مع كثرة مخالفته لهم اتباعاً للدليل“.
وقد قال في ذلك أبو إسحق ” أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام” وهو كلام يوحي بانتشار هذا المذهب في سلف الأمة.
وقد استندوا في ذلك إلي أشياء منها:-
1. حديث معاذ الموجود عند البيهقي ” …إيتوني بعرض ثياب قميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلي الله عليه وسلم..”.
وقد حاول بعضهم أن يقول بأن هذا الكلام كان في الجزية ولعله روي في ذلك شيئاً إلا أن الواضح أن الشعير والذرة والصدقة لايكونون الا في صدقة الفطر
ومعاذ رضي الله عنه كما وصفه النبي صلي الله عليه وسلم أعلم الناس بالحلال والحرام وعليه فإذا أفتي بإخراج القيمة فإن فتواه تكون ذات مستند قوي من العلم والفقه كيف وهو قد أرسل ذلك إلي المدينة ولم ينكر عليه ذلك النبي صلي الله عليه وسلم ولا صحابته.
وأعظم مافي قوله أنه استند في فتواه هذه وفعله علي مصلحة كل من المتصدق والمتصدق عليه.
2. وكذا من أدلة المجيزين أيضاً ما شرعه الشارع الحكيم من الجبران وهو استكمال أسنان إبل الزكاة بقيمة فارق السن عند عدم وجود السن المطلوبة وعدم إلزام المزكي بالبحث عن السن الواجبة عليه وصورة ذلك أن من وجبت عليه بنت لبون – وهي الناقة التي سنها سنتين ودخلت في الثالثة – ولم يكن عنده إلا بنت مخاض – وهي الناقة سنها سنة – جاز أن يخرجها ومعها شاتان أو عشرون درهماً جبراً لفارق السنة.
ولا يخفي أن هذا الجبران إنما هو قيمة ذلك الفارق بين السنين.. والحديث عن إخراج القيمة لا يعني إلغاء الطعام وإنما هو اختيار للأصلح فإخراج الطعام يكون مناسباً للمجتمعات البسيطة والمحدودة التي يتيسر فيها الطعام ويحتاج الفقير للإنتفاع به أما المجتمعات الكبيرة والمعقدة والتي تقل فيها الأطعمة بحيث يشق إخراجها وتقل حاجة الفقير إليها أو إلي أنواع منها لأنه لم يعد يطحن ويعجن ويخبز فإن إخراج القيمة يكون أفضل له والمتصدق هنا إنما يسوي الفقير بنفسه لتشابه حاجاتهم.
ونختم الحديث بكلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول فيه “…وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمراًُ أو حنطة إذا كان قد ساوي الفقراء بنفسه وقد نص أحمد علي جواز ذلك.
ومثل أن يجب عليه شاه في خمس من الأبل وليس عنده من يبيعه الشاة فإخراج القيمة هنا كاف ولايكلف السفر الي الي مدينة ليشتري شاة ومثل ان يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه اعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها أو يري الساعي أنها أنفع للفقراء كما نقل عن معاذ بن جبل ..”
ومن يظهر كيف نظر شيخ الإسلام بأفقه الواسع وعقليته المتجددة إلي هذه المسألة فأجاز إخراج القيمة لحاجة الفقير إليها أو لرؤية الساعي ذلك عنه أو لغير ذلك من المصالح مستدلا بفقه معاذ الذي أشرنا إليه آنفاً.
الخلاصة..
أن كلا القولين في الفقه موجود وله وجهه ومذهب إخراج القيمة هو الأكثر انتشاراً الآن بين علماء الأمة لأنه مع وجود ما يدعمه من الفقه فيه مصلحة واضحة للفقير وليس من داع لتثريب أي من أصحاب المذهبين كل علي الآخر فإن لكل مذهب منهما منطق فقهي مقبول وللعلماء فيه نظر واعتبار وحبذا لبو وجهنا الجهد المبذول في الخلاف حول مسألة اختلف فيها العلماء علي مر العصور ولم يحسموها في دعوة أولئك الذين لا يدفعون الزكاة حبوباً ولا قيمة.
تقبل الله منا ومنكم صالح العمل ووفقنا وإياكم لمواطن رضاه.