إلي الدكتور عمار .. هل تحققت أن الله لايضيع أجر من أحسن عملا ..
بقلم: المهندس أسامه حافظ
عماررفاعي أحمد طه هو ابن الشيخ رفاعي أحد قادة الجماعة الإسلامية والذي تسلمته الشرطة المصرية من الخارج بعد أن حصل علي حكمين بالإعدام ـ عافانا الله وإياكم ـ وقد جاء عمار مع باقي أسرته إلي أهله بمصر والتحق بمدارسها.. وعمار هذا شاب متدين التدين المصري البسيط الذي ينعكس علي سلوكياته وأخلاقه بعيداً عن التعصب المقيت.. يحافظ علي الصلوات الخمس في المسجد القريب من بيته.. هادئ الطباع.. لطيف المعشر.. خافت الصوت.. كثيراً ما التقيته عندما كنت أصلي في هذا المسجد فكان يسلم علي وعلي وجهه الأسمر ـ الذي ورث سمرته من أبيه ـ بعضاً من حمرة الخجل ثم يستأذن بلطف منصرفاً إلي مذاكرته.
تفوق عمار بفضل الله ثم بفضل جهده الدءوب في المذاكرة وجمع همته عليها حتى حصل في المرحلة الأولي من الثانوية العامة ـ ثانية ثانوي ـ علي 99.5%ثم ها هو الآن وقد بذل جهده طوال العام يتأهب لكي يتم مجموعه ـ إن شاء الله ـ ليلتحق بكلية الطب مثل والدته وأخواله.
هذه مقدمة لكي أصل إلي موضوعي اليوم.. فقد فوجئت به يصلي الجمعة معي في مسجد بعيد عن المسجد المجاور لبيته علي غير العادة فلما رأيته سارعت بالتسليم عليه بحفاوة من يري فيه بعضاً من عزيزٍ غيبت جدران السجون رؤيته ولقاءه فإذا بي أجده متجهماً ـ علي غير العادة ـ ضائق الصدر محبطاً وبادرني سائلاً.
لقد اجتهدت هذا العام لأتفوق وأحقق أملي في الحصول علي المجموع الذي يؤهلني لأدخل الكلية التي أحب فإذا بي أفاجأ أن الامتحانات قد تسربت وأن كثيراً ممن لم يبذلوا جهداً في الاستعداد للامتحان سوف يحوزون أعلي الدرجات ليتساوي من ذاكر بمن لم يذاكر والطالب المتفوق سوف يجيب ولكن لن يخلو الأمر من سهو هنا أو خطا هناك ولكن الطالب الغشاش الذي جاءه الامتحان سيحفظ الإجابة ويضعها في ورقة الإجابة مع قلة احتمال السهو والخطأ.
وجدته محبطاً يتكلم بحزن وهو يقول هل يحل لي في مثل هذه الظروف أن أطلع علي الامتحان المسروق مثل من اطلعوا لتتساوي حظوظنا في الإجابة فأجبته علي الفور لا يجوز قال ولكن الامتحان قد شاع وعرفه أكثر الطلاب قلت أن شيوع الغش وانتشاره لا يضفي عليه مشروعية وأنه سيبقي غشاً محرماً وإن فعله كل أهل الأرض قال: ولكن حقي في التفوق سيضيع وسيعلو من ليس أهلاً لذلك وسيذهب جهدي وتعبي أدراج الرياح قلت: إنك تغفل دور الله تعالي في تسيير كونه وقد قال وقوله الحق ” …إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً “.
وقد بذلت من جهدك ووقتك وما كان الله ليضيع هذا الجهد والعمل… انصرف وهو متردد قلق وانصرفت وأنا أقلب الأمر في نفسي ولكني لم ألم نفسي أني لم أترخص في ذلك فأخلاقيات الدين هي أكثر ما يعاني المجتمع بسبب فقدانها وينبغي علي الشباب أن يأخذها بقوة وإن خسر بعضاً من هذه الدنيا حتى لا يعتاد الترخيص فيها والاستهانة بها فيتحول الدين في النفوس إلي مجرد مظاهر وطقوس من أداها فقد أدي ما عليه أما انعكاس ذلك علي حياته فلا وجود له .
وكأنما أراد الله تعالي أن يثبت يقين هذا الشاب ويزيده تصديقاً وإيماناً به ففي اليوم التالي مباشرة كانت الصحف تمتلئ بقصة تسرب الامتحانات في محافظة المنيا ثم تلاه التشديد في متابعة الأمر وتدخل الوزارة والشرطة والنيابة في الأمر لضبط الامتحانات واللجان والتحقيق في هذه القصة من أولها ومتابعة جهات عليا لذلك وانهارت قصور الذين اتكلوا علي الغش وأرادوا أن ينازعوا بعبثهم وتقصيرهم من بذلوا جهدهم وعملهم في حقهم في التفوق والتميز.. وحمداً لله أن حفظ لهذا الشباب الجاد المجد حقه في التفوق والامتياز وبين لهم أن الرعاية الربانية لجهدهم وعملهم لا تغيب حتى لا تهن ثقتهم في انتصار الحق في النهاية وإعلاء كلمته بالرعاية الربانية له.
ولكن بقيت ملاحظات حول هذا الموضوع :
1.هل سيتم محاسبة الديناصورات التي كانت وراء هذه المهزلة أم سيقدم بعض الصغار ككبش فداء لتهدئة الضجة المثارة حول الموضوع ثم ينتهي الأمر عند ذلك.
2. هل ستوضع ضوابط صارمة تمنع تكرار مثل هذه المأساة مرة أخري أم أن الأمور سوف تنتهي بتوقيع عقوبات علي الجناة ثم (تعود ريما إلي عادتها القديمة).
3.هل سيتخذ هذا الحدث ذريعة لإنهاء مبدأ تكافؤ الفرص من خلال مكتب التنسيق وتحويل الدخول للجامعات إلي طريق اختبارات نوعية خاصة بكل كلية حيث الفساد هناك أكثر وأيسر.
4.هل سيتم معادلة الطلاب الذين غشوا في هذه الامتحانات وإعادة امتحانهم لكي يكونوا بين زملائهم في مستواهم الحقيقي المعبر عما بذلوه من جهد أم أن ما فات ـ كما يقولون مات ـ.
5.هل سيأتي يوم تعود فيه الثقة لأبنائنا في مؤسساتنا ولوائحنا بعد أن فقدوا الثقة في كل شيء.
وبعد……………..
كم من عمار أصيب بالإحباط فالقي بمبادئه وقيمه خلف ظهره ليستطيع التعايش مع هذا الطوفان من الغشاشين.
وكم من عمار تمسك بمبادئه وقيمه ولكنه نقم علي هذا المجتمع الذي حرمه من حقه في تقدير جهده ووضعه في المكان اللائق به.
ثم كم من غشاش صعد حتى جلس علي كرسي هو أوسع منه فملاه غشا وخداعا وتضليلا.
وكم من غشاش صعد علي كرسي هو اعلي منه فسقط علي رأسه مكلوما مهزوما.
فإلى إخواننا…… أدوا ما عليكم من عمل ولا تنتظروا النتيجة إلا من الله فانه لا يضيع اجر العاملين.